وحكى الثعلبي في تفسيره (١) في سورة «اقترب» (٢) بإسناده إلى المبرّد (٣) ؛ سئل عن ألف مسألة ، منها : ما الفرق بين قوله تعالى : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) (يونس : ٢٢) ، وقوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) (الأنبياء : ٨١) وقوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (الحاقة : ٧) ، و (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (القمر : ٢٠) ، فقال : كلّ ما ورد عليك من هذا الباب ، فلك أن تردّه إلى اللفظ تذكيرا ، ولك أن تردّه إلى المعنى تأنيثا ؛ وهذا من قاعدة أن اسم الجنس تأنيثه غير حقيقي ، فتارة يلحظ معنى الجنس فيذكّر ، وتارة معنى الجماعة فيؤنث ؛ قال تعالى في قصة شعيب : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (هود : ٩٤) ، وفي قصة صالح : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (هود : ٦٧) وقال : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) (البقرة : ٧٠) ، وقرئ : «تشابهت» (٤).
وأبدى السّهيلي (٥) للحذف والإثبات معنى حسنا فقال : إنما حذفت منه ؛ لأن «الصيحة» فيها [بمعنى] (٦) العذاب والخزي ، إذ كانت منتظمة بقوله [سبحانه] (٧) : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) (هود : ٦٦) ، فقوي التذكير ؛ بخلاف قصة شعيب ، فإنّه لم يذكر فيها ذلك.
وأجاب غيره : بأنّ الصيحة يراد بها المصدر بمعنى الصياح ، فيجيء فيها التذكير ، فيطلق ويراد بها الوحدة من المصدر ، فيكون التأنيث أحسن.
وقد أخبر سبحانه عن العذاب الذي أصاب به قوم شعيب بثلاثة أمور ، كلّها مفردة اللفظ :
أحدها : الرجفة ، في قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) (العنكبوت : ٣٧).
والثاني : الظّلة ، في قوله : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) (الشعراء : ١٨٩).
والثالث : الصيحة ، وجمع لهم الثلاثة ؛ لأن الرجفة بدأت بهم فأصحروا في الفضاء ، خوفا من سقوط الأبنية عليهم ، فضربتهم الشمس [٢٣٠ / أ] بحرّها ، ورفعت لهم الظّلة ،
__________________
(١) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥ ، وتفسيره المسمى «الكشف والبيان في تفسير القرآن» مطبوع في اسطنبول سنة ١٣٥٠ ه / ١٩٣١ م (ذخائر التراث العربي ١ / ٤٢٨) ، وحققه عبد الله أبو السعود بدر سنة ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ (أخبار التراث العربي ٨ / ١٦).
(٢) هي سورة الأنبياء (٢١).
(٣) عبارة المخطوطة (أن المبرد).
(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ١ / ٢٥٤ عند تفسير الآية (٧٠) من سورة البقرة ، فقال : (وقرأ أبي «تشابهت»).
(٥) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢.
(٦) ليست في المخطوطة.
(٧) ليست في المطبوعة.