فهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ، فنزل عليهم [فيها] (١) العذاب وفيه الصيحة ؛ فكان ذكر الصيحة مع الرجفة والظلّة أحسن من ذكر الصياح ، فكان ذكر التاء أحسن.
فإن قلت : ما الفرق بين قوله سبحانه : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل : ٣٦) ، وبين قوله : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (الأعراف : ٣٠).
قيل : الفرق بينهما من وجهين :
لفظي ومعنويّ :
أما اللفظي ، فهو أن الفصل بين الفعل والفاعل في قوله : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (الأعراف : ٣٠) ، أكثر منها في قوله : (حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل : ٣٦) ، والحذف مع كثرة (٢) الحواجز أحسن.
وأما المعنويّ فهو أنّ «من» [في] (٣) قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل : ٣٦) ، راجعة على الجماعة ، وهي مؤنثة لفظا ؛ بدليل : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) (النحل : ٣٦) ، ثم قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل : ٣٦) ، أي من تلك الأمم ، ولو قال «ضلت» لتعينت التاء ـ والكلامان واحد وإن كان معناهما واحدا ـ فكان إثبات التاء أحسن من تركها ، لأنها ثابتة فيما هو من معنى الكلام المتأخر.
وأما (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (الأعراف : ٣٠) ، فالفريق مذكّر ، ولو قال (٤) : «ضلّوا» لكان بغير تاء ، وقوله : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (الأعراف : ٣٠) في معناه ، فجاء بغير تاء ، وهذا اسلوب لطيف من أساليب العرب ، أن يدعوا حكم اللفظ [الواجب] (٥) في قياس لغتهم ، إذا كان في مركّبه كلمة لا يجب لها حكم ذلك الحكم.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) عبارة المخطوطة (مع كثرة آخر الحواجز).
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) عبارة المخطوطة (ولو قال : فريقا ضلوا).
(٥) ليست في المخطوطة.