فإنه لا بدّ فيه من الكلفة بالنسبة للمخاطبين (١) ؛ كقوله تعالى : (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) (المرسلات : ٢٧) ، (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (الجن : ١٦) ، لأن الإسقاء في الدنيا لا يخلو من الكلفة أبدا.
و [منه] (٢) قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (الحجر : ١٩) ، قال أبو مسلم (٣) محمد بن بحر الأصبهاني في «تفسيره» (٤) إنما خصّ الموزون بالذكر دون المكيل ، لأمرين :
أحدهما : أن غاية المكيل ينتهي إلى الموزون ، لأن سائر المكيلات إذا صارت قطعا دخلت في باب الموزون وخرجت عن المكيل ، فكان الوزن أعمّ من المكيل.
والثاني : أن في الموزون معنى المكيل ؛ لأن الوزن هو طلب مساواة الشيء بالشيء ومقايسته وتعديله به ، وهذا المعنى ثابت في المكيل ، فخصّ الوزن بالذكر لاشتماله على معنى المكيل.
وقال الشريف المرتضى في «الغرر» (٥) : هذا خلاف المقصود ؛ بل المراد بالموزون القدر (٦) الواقع بحسب الحاجة ، فلا يكون ناقصا عنها ولا زائدا عليها زيادة مضرّة.
ومنه قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً) (العنكبوت : ١٤) ، فذكر في مدة اللّبث السنة ، وفي الانفصال العام ؛ للإشارة إلى (٧) أنه كان في شدائد في مدته كلّها ،
__________________
(١) عبارة المخطوطة (إلى المخاطبين).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) تصحفت كنيته في المطبوعة إلى (أبو سلمة) ، وفي المخطوطة (أبو مسلمة) تقدم التعريف به في ٢ / ٣٧٧.
(٤) ذكره ياقوت في معجم الأدباء ١٨ / ٣٦ فقال (وله من الكتب : كتاب «جامع التأويل لمحكم التنزيل» على مذهب المعتزلة أربعة عشر مجلدا) ، وقد طبع قسم منه باسم «ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل» عنى بترتيبه سعيد الأنصاري كلكتا ١٣٤٨ ه / ١٩٢٩ م (معجم الدراسات القرآنية ص ٥٩١).
(٥) هو علي بن الحسين بن موسى تقدم التعريف به في ٣ / ١٢٤ ، وكتابه «غرر الفوائد ودرر القلائد» المعروف «بأمالي المرتضى» طبع في الهند سنة ١٢٧٢ ه / ١٨٥٥ م ، ثم طبع في القاهرة مطبعة السعادة سنة ١٣٢٥ ه / ١٩٠٧ م (معجم سركيس : ١١٢٤) ، ثم طبع في القاهرة بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة ١٣٧٤ ه / ١٩٥٤ م (معجم المنجد ١ / ٨١) ، ثم صورته دار الكتاب العربي عن طبعة محمد أبو الفضل إبراهيم سنة ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م.
(٦) في المخطوطة (المقدار).
(٧) في المخطوطة (إلا أنه).