كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء : ٦٣) ، فقال : فالراء واللام متعاقبان ، كما تقول العرب : فلق الصبح وفرقه. قال : وذكر عن الخليل ـ ولم أسمعه سماعا ـ أنه قال في قوله تعالى : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) (الاسراء : ٥) ، [إنما أراد «فحاسوا»] (١) فقامت الجيم مقام الحاء.
قال ابن فارس : وما أحسب الخليل قال هذا ، ولا أحقّه عنه».
قلت : ذكر ابن جني في «المحتسب» (٢) : «أنها قراءة أبي السّمال (٣) ، وقال : قال أبو زيد (٤) ـ أو غيره : قلت له : إنما هو «فجاسوا» ، فقال : حاسوا وجاسوا واحد. وهذا يدل على أنّ بعض القراء يتخير بلا رواية! ولذلك نظائر». انتهى.
وهذا الذي قاله ابن جني غير مستقيم ، ولا يحلّ لأحد أن يقرأ إلا بالرواية. وقوله : «إنهما بمعنى واحد» لا يوجب القراءة بغير الرواية كما ظنه أبو الفتح وقائل ذلك ، والقارئ به هو أبو السّوّار الغنويّ لا أبو السّمال فاعلم ذلك. كذلك أسنده الحافظ أبو عمرو الداني (٥) ، فقال : حدثنا المازنيّ ، قال : سألت أبا السّوار الغنوي ، فقرأ : «فحاسوا» بالحاء غير الجيم ، فقلت : إنما هو «فجاسوا» قال : حاسوا وجاسوا واحد ، يعني أن اللفظين بمعنى واحد ؛ وإن كان أراد أن القراءة بذلك تجوز في الصلاة ، والغرض كما جازت بالأولى ، فقد غلط في ذلك وأساء (٦).
٣ / ٣٨٩ وزعم الفارسيّ في «تذكرته» (٧) في قوله : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) (ص : ٣٢) ، أنه
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) انظر «المحتسب» ٢ / ١٥ سورة بني إسرائيل ، و «البحر المحيط» لأبي حيان ٦ / ١٠ سورة الإسراء.
(٣) قعنب بن أبي قعنب أبو السّمّال بفتح السين وتشديد الميم وباللام العدوي البصري ، له اختيار في القراءة شاذ عن العامة رواه عنه أبو زيد ، سعيد بن أوس ، وأسند الهذلي قراءة أبي السمال عن هشام البربري عن عباد بن راشد عن الحسن عن سمرة عن عمر ، وهذا سند لا يصح. (ابن الجزري ، غاية النهاية ٢ / ٢٧) ، وعبارة المطبوعة (قراءة أبو السّمّال).
(٤) هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري تقدم التعريف به في ١ / ٤٧٠.
(٥) هو عثمان بن سعيد تقدم التعريف به في ١ / ١٤٩.
(٦) وانظر لابن خالويه «مختصر في شواذ القرآن» ص ٧٥ شواذ سورة الإسراء حيث قال («فحاشوا خلال الديار» بالحاء والشين أبو السّمّال ، «فجوّسوا خلال الديار» بتشديد الواو في بعض المصاحف) ، وقال الزمخشري في «الكشاف» ٢ / ٣٥٢ (وقرأ طلحة «فحاسوا» بالحاء ، وقرئ «فجوّسوا») ، وقال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» ١٠ / ٢١٦ (وقرأ ابن عباس «حاسوا» بالحاء المهملة) ، فهذه القراءة من الشواذ حيث لم يوردها البنا في «إتحاف فضلاء البشر» وعن حكم القراءة بالشواذ في الصلاة انظر ما ذكره الزركشي سابقا في ١ / ٤٨١.
(٧) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي الفارسي تقدم التعريف به في ١ / ٣٧٥ ، وتقدم التعريف بكتابه «التذكرة» في ٢ / ٣٩٤.