وقد ذكروا أن النفي بحسب ما يتسلّط عليه يكون أربعة أقسام :
الأول : بنفي المسند نحو ، ما قام زيد بل قعد ، ومنه قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) (البقرة : ٢٧٣) فالمراد نفي السؤال من أصله ؛ لأنهم متعفّفون ؛ ويلزم من نفيه نفي الإلحاف.
الثاني : أن ينفى المسند إليه ، فينتفي المسند ، نحو ما قام زيد [إذا كان زيد غير موجود ؛ لأنه يلزم من عدم زيد] (١) نفي القيام. ومنه قوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر : ٤٨) ، أي لا شافعين لهم فتنفعهم شفاعتهم.
ومنه قول الشاعر (٢) :
على لاحب لا يهتدى بمناره (٣)
أي : على طريق لا منار له ، فيهتدى به ؛ ولم يكن مراده أن يثبت المنار فينتفي الاهتداء به.
الثالث : أن ينفى المتعلق دون المسند [٢٣٤ / ب] والمسند إليه ، نحو ما ضربت زيدا بل عمرا.
الرابع : أن ينفى قيد المسند إليه أو المتعلق ؛ نحو ما جاءني رجل كاتب بل شاعر ، وما رأيت رجلا كاتبا بل شاعرا ؛ فلما كان النفي قد ينصبّ على المسند وقد ينصبّ على المسند إليه أو المتعلق ، وقد ينصبّ على القيد احتمل في قولنا : ما رأيت رجلا كاتبا. أن يكون المنفيّ هو القيد ؛ فيفيد الكلام رؤية غير الكاتب (٤) ؛ وهو احتمال مرجوح ؛ ولا يكون (٥) المنفيّ المسند ؛ أي الفعل ، بمعنى أنه لم يقع منه رؤية عليه ؛ لا على رجل ولا على غيره ؛ وهو في المرجوحية كالذي قبله.
نفي الشيء رأسا
لأنه عدم كمال وصفه أو لانتفاء ثمرته ، كقوله تعالى في صفة أهل النار : (لا يَمُوتُ فِيها
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) صدر بيت لامرئ القيس عجزه : إذا سافه العود النّباطي جرجرا. انظر ديوانه ص ٩٥ من قصيدة مطلعها : سما لك شوق بعد ما كان أقصرا* وحلّق سليمى بطن قوٍّ فعرعرا
(٣) في المطبوعة (لمناره) وما أثبتناه من المخطوطة والديوان.
(٤) في المخطوطة هنا زيادة هي (للمفهوم ، وهذا الاحتمال راجح أن يكون المنفي الواقع عليه الفعل وهو الرجل ، ويلزم من ذلك انتفاء رؤية الكاتب)
(٥) في المخطوطة (وأن يكون).