قال ابن المنير (١) : ووقع لي (٢) أن الأصمعيّ وخلف الأحمر وابن رشيق أخطئوا جميعا وأصاب جرير وحده ؛ لأنه لم يرد إلا «فيا لك يوم خير لا شر فيه» ، وأطلق «قبل» للنفي كما قلناها ، في قوله تعالى : (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) (الكهف : ١٠٩) ، وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (الرعد : ٢) وقوله : (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (الأعراف : ١٩٥) ؛ فإنّ ظاهره نفي هذه الجوارح ، والحقيقة توجب نفي الإله (٣) عمّن [يكون له فضلا عمّن] (٤) لا يكون له.
وقوله : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (لقمان : ١٥) ، فالمراد لا ذاك ولا علمك به ؛ أي كلاهما غير ثابت.
وقوله : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) (آل عمران : ١٥١) ؛ أي شركاء لا
__________________
رزقنا به الصّيد الغرير ، ولم تكن |
|
كمن نبله محرومة وحبائله |
فيا لك يوما خيره قبل شرّه |
|
تغيّب واشيه ، وأقصر عاذله |
قال خلف : ويحه ، وما ينفعه خير يؤول إلى شرّ؟ فقلت : هكذا قرأته على أبي عمرو بن العلاء ، قال : صدقت ، وكذا قال جرير ، وكان قليل التّنقيح لألفاظه ، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلاّ كما سمع ، قلت : فكيف يجب أن يكون؟ قال : الأجود أن يكون :
«خيره دون شرّه»
فاروه كذلك ، فقد كانت الرّواة قديما تصلح أشعار الأوائل ، فقلت : والله لا أرويه إلا كذا.
قلت أنا : أمّا هذا الإصلاح ، فمليح الظّاهر ، غير أنّه خلاف قصد الشاعر ، وذلك أنّ الشاعر أراد أنّه كان ليله في وصال ، ثم فارق حبيبه نهارا ، وذلك هو الشّرّ الذي ذكر.
والرّواية جعله لم يفارق ، فغيّر عليه المعنى ، إلاّ أن تكون الرواية :
«ويوم كإبهام الحبارى»
فحينئذ : على أنّ «دون» تحتمل ما قصده ، وتحتمل معنى «قبل» فهي لفظة مشتركة ، وتكون أيضا بمعنى «بعد» لأنها من الأضداد ، ولكن في غير هذا الموضع.
فإنه لم يصوب كلام خلف في بيت جرير إذ قال «غير أنه خلاف قصد الشاعر» لذا لا يتجه لابن رشيق نقد ابن المنيّر الذي ذكره الزركشي.
(١) هو أحمد بن محمد بن منصور تقدم التعريف به في ١ / ١٧٦.
(٢) تصحفت في المخطوطة إلى (الا).
(٣) تصحفت في المطبوعة إلى (الآية).
(٤) ساقطة من المخطوطة.