هذا كلّه في الصفات ، وأما الموصوفات فعلى العكس من ذلك ؛ فإنّك تبدأ بالأفضل ، فتقول : قام الأمير ونائبه وكاتبه ؛ قال تعالى : [(وَ] (١) الْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ [لِتَرْكَبُوها] (١) ...) (النحل : ٨) الآية ، فقدّم الخيل لأنها أحمد وأفضل من البغال ، وقدّم البغال على الحمير لذلك أيضا.
فإن قلت : قاعدة الصفات منقوضة بالقاعدة الأخرى ؛ وهي أنهم يقدّمون الأهم فالأهم في كلامهم كما نصّ عليه سيبويه وغيره.
وقال الشاعر :
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا |
|
وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم |
فقلت له نعماك فيهم أتمّها |
|
ودع أمرنا إن المهمّ (٢) المقدّم |
قلت : المراد بقوله : «فقدم الأهم فالأهم» فيما إذا كانا شيئين متغايرين مقصودين ، وأحدهما أهمّ من الآخر ؛ فإنه يقدّم ، وأما تأخر الأمدح في الصفات فذلك فيما إذا كانتا صفتين لشيء واحد ؛ فلو أخرنا الأمدح لكان تقديم الأول نوعا من العبث.
هذا كلّه في صفات المدح ؛ فإن كانت للذم فقد قالوا : ينبغي الابتداء بالأشدّ ذمّا كقوله تعالى : (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (النحل : ٩٨) ؛ قال [٢٣٧ / أ] ابن النفيس (٣) : في كتاب «طريق الفصاحة» : وهو عندي مشكل ؛ ولم يذكر توجيهه. ٣ / ٤٠٧
وقال حازم في «منهاجه» (٤) يبدأ في الحسن بما ظهور الحسن فيه أوضح ، وما النفس بتقديمه أعنى ، ويبدأ في الذمّ بما ظهور القبح فيه أوضح ، والنفس بالالتفات إليه أعنى ؛ ويتنقّل في (٥) الشيء إلى ما يليه من المزية في ذلك ، ويكون بمنزلة المصوّر الذي يصور أوّلا ما حلّ من رسوم تخطيط الشيء ، ثم ينتقل إلى الأدقّ فالأدق.
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (إن الأهم).
(٣) تصحفت في المخطوطة إلى (أبو النفيس) وتصحف اسم كتابه إلى (تطريق الفصاحة) والصواب ما في المطبوعة ، وهو علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي المصري المعروف بابن النفيس طبيب مشارك في الفقه والأصول والحديث توفي بمصر في ذي القعدة سنة (٦٨٧ ه) (السبكي طبقات الشافعية ٥ / ١٢٩) ، وكتابه «طريق الفصاحة» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ٢ / ١١١٤ فقال (طريق الفصاحة ، لابن النفيس «علي» المصري المتوفي سنة ٦٨٧ ه).
(٤) هو حازم القرطاجني تقدم التعريف به وبكتابه «منهاج البلغاء» في ١ / ٥٩.
(٥) عبارة المخطوطة (ما لشيء).