وقال قطرب (١) : في الكلام تقديم وتأخير ، والاستثناء من الكفار لا من شعيب ، والمعنى : لنخرجنّك يا شعيب ، والذين آمنوا معك من قريتنا ؛ إلا أن يشاء الله أن تعودوا في ملّتهم. ثم قال تعالى حاكيا عن شعيب : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) (الأعراف : ٨٩) على كل حال.
وقيل : الهاء عائدة إلى القرية ، لا إلى الله.
الإعراض عن صريح الحكم
٣ / ٤١١ كقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (النساء : ١٠٠) ، أعرض عن ذكر مقدار الجزاء والثواب ، وذكر ما هو معلوم مشترك بين جميع أعمال البشر ، تفخيما لمقدار الجزاء ، لما فيه من إبهام المقدار ، وتنزيلا له منزلة ما هو غير محتاج إلى بيانه ، على حدّ «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله» (٢) ، أعرض عن ذكر الجزاء إلى إعادة الشرط ، تنبيها على عظم ما ينال ، وتفخيما لبيان ما أتى به من العمل ، فصار السكوت عن مرتبة الثواب أبلغ من ذكرها.
وكقوله (٣) تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف : ٣٠) ، وهذه الآية تتضمن الرجوع والبقاء والجمع ، ألا تراه كيف رجع بعد ذكره المبتدأ الذي هو الذين عن ذكر خبره إلى الشروع في كلام آخر ، فبنى مبتدأ على مبتدأ وجمع ، والمعنى قوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ) (الكهف : ٣٠) من خبر المبتدأ الأول ، وتقديره : إنّا لا نضيع أجرهم ، لأنا لا نضيع أجر من أحسن عملا.
الهدم
٣ / ٤١٢ وهو أن يأتي الغير بكلام يتضمن معنى ، فتأتي بضده ؛ فإنك قد هدمت ما بناه المتكلم الأول ؛ كقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة : ١٨)
__________________
(١) هو محمد بن المستنير تقدم التعريف به في ٢ / ١٧٦.
(٢) قطعة من حديث عمر رضياللهعنه : «إنما الأعمال بالنيات» أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٩ ، كتاب بدء الوحي (١) ، باب كيف كان بدء الوحي ... (١) الحديث (١) ، ومسلم في الصحيح ٣ / ١٥١٥ ـ ١٥١٦ ، كتاب الإمارة (٣٣) ، باب قوله صلىاللهعليهوسلم «إنما الأعمال بالنية» ، الحديث (١٥٥ / ١٩٠٧).
(٣) في المخطوطة (وقوله).