فهذه استعارة نقلت لها وصف الشجاع ؛ إلى عبارة صالحة للأسد ، لو لا قرينة ٣ / ٤٣٥ [السلاح] (١) لشككت : هل أراد الرجل الشجاع أو الأسد الضاري؟
الثالث
لا بدّ فيها من ثلاثة أشياء أصول : مستعار ، ومستعار منه ، وهو اللفظ ؛ ومستعار له وهو المعنى ؛ ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (مريم : ٤) المستعار الاشتعال ، والمستعار منه النار ، والمستعار له الشيب ، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النهار لبياض الشيب.
وفائدة ذلك وحكمته وصف ما هو أخفى بالنسبة (٢) إلى ما هو أظهر. وأصل الكلام أن يقال : واشتعل شيب الرأس ؛ وإنما قلب للمبالغة ؛ لأنه يستفاد منه عموم الشيب لجميع الرأس ؛ ولو جاء الكلام [على وجهه] (٣) لم يفد ذلك العموم. ولا يخفى أنه أبلغ من قولك :
كثر (٤) الشيب في الرأس ؛ وإن كان ذلك حقيقة المعنى ؛ والحقّ أن المعنى يعار ؛ أولا ثم بواسطته يعار اللفظ ، ولا تحسن الاستعارة إلا حيث كان الشبه مقرّرا بينهما ظاهرا ؛ وإلاّ فلا بدّ من التصريح بالشبه ؛ فلو قلت : رأيت نخلة أو خامة وأنت تريد مؤمنا إشارة إلى قوله : «مثل المؤمن كمثل النخلة» (٥) أو «الخامة» (٦) لكنت كالملغز (٧).
ومن أحسن الاستعارة قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (التكوير : ١٨) ؛ وحقيقته (٨) «بدأ انتشاره» و «تنفس» أبلغ ؛ فإن ظهور الأنوار في المشرق من أشعة الشمس قليلا قليلا ، بينه وبين إخراج النّفس مشاركة شديدة.
__________________
(١) ساقطة من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (بالشبه).
(٣) ساقطة من المخطوطة.
(٤) في المخطوطة (أكثر).
(٥) إشارة إلى حديث عن ابن عمر رضياللهعنهما أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٦٤ ـ ٢١٦٥ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٥٠) ، باب مثل المؤمن مثل النخلة (١٥) ، الحديث (٦٤ / ٢٨١١).
(٦) إشارة إلى حديث متفق عليه من رواية كعب بن مالك رضياللهعنه أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ١٠٣ ، كتاب المرتضى (٧٥) ، باب ما جاء في كفارة المرض ... (١) ، الحديث (٥٦٤٣) ، ومسلم في الصحيح ٤ / ٢١٦٣ ، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٥٠) ، باب مثل المؤمن كالزرع ... (١٤) الحديث (٥٩ / ٢٨١٠) و (الخامة) هي الطاقة الفضة اللينة من الزرع. (النهاية ٢ / ٨٩) مادة (خوم).
(٧) في المخطوطة (كاللغز).
(٨) في المخطوطة (وتحقيقه).