٣ / ٤٦٠ ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة : ٣٠) فقابل الإفساد بالتسبيح والحمد ، وسفك الدماء بالتقديس ، فالتسبيح بالحمد إذن ينفي الفساد ، والتقديس ينفي سفك الدماء ، والتسبيح شريعة للإصلاح ، والتقديس شريعة حقن الدماء ، وشريعة التقديس أشرف من شريعة التسبيح ؛ فإن التسبيح بالحمد للإصلاح لا للفساد (١) ، وسفك الدماء للتسبيح لا للتقديس ؛ وهذا شكل مربّع ، من أرضيّ وهو الإفساد [٢٤٥ / ب] وسفك الدماء ، [وسمائي] (٢) وهو التسبيح والتقديس ، والأرضيّ ذو فصلين ، والسمائيّ ذو فصلين ، ووقع النفس من الطرفين المتوسطين ؛ فالطرفان الإفساد في الطرف الأول ، والتقديس في الطرف الآخر ، والوسطان آخر الأرض ، وأول السماء ، فالأول متشرف (٣) على الآتي والآخر ملفت (٤) إلى الماضي :
وكم في كتاب الله من كلّ موجز |
|
يدور على المعنى وعنه يماصع (٥) |
لقد جمع الاسم المحامد كلّها |
|
مقاسيمها مجموعة والمشايع |
وهذا القدر الذي ذكره هذا الحبر مرمى (٦) عظيم ، يوصّل إلى أمور غير متجاسر عليها ، كما في آية الكرسيّ وغيرها.
***
وقسم بعضهم المقابلة إلى أربع :
أحدها : أن يأتي بكل واحد من المقدمات مع قرينة من الثواني ، كقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً* وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (النبأ : ١٠ ـ ١١).
والثانية (٧) : أن يأتي بجميع [المقدمات مع قرينة] (٨) الثواني مرتّبة من أولها ، كما قال تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (القصص : ٧٣).
__________________
(١) في المخطوطة (الافساد).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (مستشرف).
(٤) في المخطوطة (ملتفت).
(٥) المماصعة : المقاتلة والمجالدة (اللسان ٨ / ٣٣٨) مادة (مصع).
(٦) في المخطوطة (مر من).
(٧) في المخطوطة (والثاني).
(٨) العبارة ليست في المطبوعة.