فإن قلت : هذا التأويل لا يتم إلا إذا كانت الواو عاطفة ، فإنها تحصل في الكلام حسن اتّساق ، وائتلاف الألفاظ مع المعاني ، وقد عدل عنها إلى «أو» التي سقط معها ذلك.
قلت : يأتي التضرّع على أقسام ، فإنّ منه ما يتضرّع المضرور عند وروده ، ومنه ما يقعده (١) ، ومنه ما يأتي وصاحبه قائم لا يبلغ به شيئا ، والدعاء عنده أولى من التضرّع (٢) ، فإن الصّبر والجزع عند الصدمة الأولى ، فوجب العدول عن الواو ، لتوخّي (٣) الصدق في الخبر ، والكلام [مع ذلك موصوف] (٤) بالائتلاف (٥) ، ويحصل (٦) النّسق ، والخبر بذلك التأويل الأول عن شخص [واحد] (٧) ، وبالثاني عن أشخاص فغلّب الكثرة ، فوجب الإتيان ب «أو» وابتدئ بالشخص الذي تضرع لأن خبره (٨) أشدّ فهو أشدّ تضرعا ، فوجب تقديم ذكره ، ثم القاعد ؛ ثم القائم ، فحصل حسن الترتيب وائتلاف الألفاظ ومعانيها.
٣ / ٤٧٣ وقوله : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) (الشورى : ٤٩ ـ ٥٠) ، قسّم سبحانه حال الزّوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود ، لأنه سبحانه إمّا أن يفرد العبد بهبة الإناث ، أو بهبة الذكور ، أو يجمعهما له ، أو لا يهب شيئا ، وقد جاءت الأقسام في هذه الآية (٩) لينتقل منها إلى أعلى منها ، (١٠) [وهي هبة الذكور فيه ، ثم انتقل إلى أعلى منها] (١٠) وهي وهبتهما جميعا (١١) ، وجاءت كل أقسام العطية بلفظ الهبة ، وأفرد معنى الحرمان بالتأخير ، وقال فيه (يَجْعَلُ) فعدل عن لفظ الهبة للتغاير بين المعاني ، كقوله [تعالى] (١٢) : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) (الواقعة : ٦٣ إلى ٦٥) ، فذكر امتداد (١٣) إنمائه (١٤) بلفظ الزرع ، ومعنى الحرمان بلفظ الجعل.
__________________
(١) في المخطوطة (يقصده).
(٢) في المخطوطة (الصبر).
(٣) في المخطوطة (ولتوخي).
(٤) العبارة ساقطة من المطبوعة.
(٥) في المخطوطة (بائتلاف).
(٦) في المخطوطة (يحصل).
(٧) ساقطة من المخطوطة.
(٨) في المخطوطة (خيره).
(٩) في المخطوطة (الآيات).
(١٠) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(١١) في المخطوطة (هبتها جمعا).
(١٢) ليست في المطبوعة.
(١٣) في المخطوطة (الاعتداد).
(١٤) اضطربت في المخطوطة.