أحدها : التأكيد ؛ واعلم أنّ التكرير أبلغ من التأكيد ، لأنه وقع في تكرار [١٦٢ / ب] التأسيس ؛ وهو أبلغ من التأكيد ، فإنّ التأكيد يقرر إرادة معنى الأول وعدم التجوز ، فلهذا قال الزمخشري في قوله تعالى : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (التكاثر : ٣ ـ ٤) : «إنّ الثانية تأسيس لا تأكيد ؛ لأنه جعل الثانية أبلغ في الإنشاء فقال : وفي (ثُمَ) تنبيه على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول» (١).
٣ / ١٢ وكذا قوله : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (الانفطار :
١٧ ـ ١٨) ، وقوله : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (المدثر : ١٩ ـ ٢٠) يحتمل أن يكون منه ، وأن يكون من المتماثلين.
والحاصل أنه : هل هو إنذار تأكيد ، أو إنذاران؟ فإن قلت : «سوف تعلم ، ثم سوف تعلم» كان أجود منه بغير عطف ؛ لتجريه على غالب استعمال التأكيد ، ولعدم احتماله لتعدد المخبر به.
وأطلق بدر الدين بن مالك (٢) في «شرح الخلاصة» أن الجملة التأكيدية قد توصل بعاطف ، ولم تختص بثم ، وإن كان ظاهر كلام والده التخصيص ؛ وليس كذلك ؛ فقد قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ) (الحشر : ١٨) ، فإن المأمور فيهما واحد ، كما قاله النّحاس (٣) والزمخشري والإمام فخر الدين والشيخ عزّ الدين (٤) ، ورجّحوا ذلك على احتمال أن تكون «التقوى» الأولى مصروفة لشيء غير «التقوى» الثانية مع شأن إرادته.
وقولهم : إنه تأكيد ، (٥) فمرادهم تأكيد المأمور به بتكرير الإنشاء ، لا أنّه تأكيد لفظيّ (٥) ، ولو كان تأكيدا لفظيا لما فصل بالعطف ، ولما فصل بينه وبين غيره : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) (الحشر : ١٨).
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٢٣١ «بتصرف».
(٢) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك ، الشافعي النحوي ، تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ١٨٨ ، وانظر قوله في كتابه «شرح الألفية» ص ٥٠٩ عند كلامه عن التوكيد.
(٣) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل تقدمت ترجمته في ١ / ٣٥٦.
(٤) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي ، تقدمت ترجمته في ١ / ١٣٢.
(٥) اضطربت العبارة في المخطوطة على الشكل التالي «فمرادهم تأكيد المأمور به بتأكيد الانشاء ، لا أنه تكرير لفظي ...».