واعترض بتقديم المفعول عليها ، نحو : زيدا لن أضرب. وجوابه : يجوز في المركبات ما لا يجوز في البسائط. وكان ينبغي أن تكون جازمة ، وقد قيل به ؛ إلا أن الأكثر النصب.
وعلى كلّ قول ؛ فهي لنفي الفعل في المستقبل ؛ لأنها في النفي نقيضة السين وسوف وأن في الإثبات ؛ فإذا قلت : سأفعل أو سوف أفعل كان نقيضه «لن أفعل».
وهي في نفي الاستقبال آكد من «لا» ، وقوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) (يوسف : ٨٠) آكد من قوله : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) (الكهف : ٦٠). وليس معناها النفي على التأبيد ؛ خلافا لصاحب «الأنموذج» (١) بل إن النفي مستمر في المستقبل (٢) ؛ إلا أن يطرأ ما يزيله ، فهي لنفي المستقبل «ولم» لنفي الماضي ، و «ما» لنفي الحال.
ومن خواصها أنها تنفي ما قرب ، ولا يمتد معنى النفي فيها كامتداد معناها ، وقد جاء في قوله تعالى : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) (الجمعة : ٧) بحرف «لا» في الموضع الذي اقترن به حرف الشرط بالفعل ، فصار من صيغ العموم يعمّ الأزمنة ، كأنه يقول : متى زعموا ذلك لوقت من الأوقات وقيل لهم : تمنوا الموت ، فلا يتمنونه. وقال في البقرة : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) (البقرة : ٩٥) ، فقصر من صيغة النفي ، لأن قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) (البقرة : ٩٤) ، وليست «لن» مع «كان» من صيغ العموم ؛ لأن «كان» لا تدخل على حدث ؛ وإنما هي داخلة على المبتدإ والخبر ، عبارة عن قصر الزمان الذي كان فيه ذلك الحدث ؛ كأنه يقول : إن كان قد وجب لكم الدار الآخرة ، فتمنّوا الموت ، ثم قال في الجواب : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) ، فانتظم معنى الآيتين.
__________________
(١) هو الزمخشري محمود بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ١٠٥ ، وكتابه «الأنموذج في النحو» طبع بتحقيق خريستيانيا سنة ١٢٧٦ ه / ١٨٥٩ م ثم سنة ١٢٩٧ ه / ١٨٧٩ م ، وطبع في مصر بمطبعة مدارس الملكية سنة ١٢٨٩ ه / ١٨٧٢ م ، وطبع في استانبول مع نزهة الطرف للميداني سنة ١٢٨٩ ه / ١٨٧٢ م ، ثم طبع في قازان باعتناء شمس الدين حسين أوغلي مع شرحه للأردبيلي وحاشية للمولوي داود سنة ١٣١٥ ه / ١٨٩٧ م ، ثم سنة ١٣٢٥ ه / ١٩٠٧ م ، ثم صور في بيروت بدار الآفاق الجديدة مع نزهة الطرف سنة ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م (ذخائر التراث العربي ١ / ٥٥٠).
(٢) وقد رد ابن هشام قول الزمخشري في «مغني اللبيب» ١ / ٢٨٤ حرف اللام لن ، فقال : (ولا تفيد لن توكيد النفي خلافا للزمخشري في «كشافه» ولا تأبيده خلافا له في «أنموذجه» وكلاهما دعوى بلا دليل).