والقرآن حينما يوجّه الخطاب بصيغة المذكر فإنه يشمل النصف الآخر للمجتمع بصورة طبيعية ، ولكنه هنا يخصّ النساء أيضا «ولا مؤمنة» لأنّ الكثير من الأحكام ـ وبالذات في باب القضاء ـ ترتبط بالنساء ، ولا بد ان يخضعن كما الرجال لقضاء الله والرسول خضوعا حقيقيا.
والخضوع الحقيقي هو الذي تشير اليه الآية الكريمة (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١) فحتى في المجال الفكري والنفسي لا يجوز للمؤمن أن يتضايق من قضاء الرسول ، بل يجب أن يسلّم له راضيا به دون أدنى شكّ أو تردد.
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)
ولعلّ أهم ما قضى به الله والرسول ان اختار أهل البيت ، وقضى بطاعتهم ، إذ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فلا يجوز للمؤمن الاعتراض على هذا القضاء أو الفسوق عمليا عنه ، وهذا مما يعزّز تفسير الآية الكريمة (٣٣) في الدرس الماضي.
جاء في أصول الكافي عن عبد العزيز بن مسلم قال : كنّا مع الرضا (ع) بمرو فاجتمعنا في الجامع في بدوّ قدومنا ، فأداروا أمر الإمامة ، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيدي (ع) فأعلمته خوض الناس فيه ، فتبسم (ع) ثم قال :
يا عبد العزيز! جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إنّ عزّ وجلّ لم يقبض نبيه (ص) حتى أكمل له الدّين ـ الى قوله (ع) ـ : ولقد راموا صعبا ، وقالوا إفكا ، وضلّوا ضلالا بعيدا ، ووقعوا في حيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة ، وزين
__________________
(١) النساء / (٦٥).