الاول : أن مجرد تذكر الرسالي بأنه ينتمي الى خط فيه هؤلاء العظماء الذين أسسوا تاريخ المجد للبشرية ، هو أمر مفيد جدا ، يعطيه الايمان والثقة والاستقامة بالرغم من كل العوامل والظروف المضادة ، إذ لا يشعر وهو يعاني من الرفض والحرب بشتى صورها بالضعف والوحدة ، وهو يشعر بانتمائه الى هذا الخط ، والى هذا التاريخ العظيم.
الثاني : أن القرآن وحدة واحدة ، ويكمل بعضه بعضا ، فيمكن لقارئه أن يجد في سورة الصافات تفصيل ما أشارت اليه سورة (ص) ، وهكذا بالنسبة لسائر السور مع بعضها ، وعلينا الا نكون من الذين اتخذوا القرآن عضين ، فصارت نظرتهم اليه نظرة تجزيئية ، بل نسعى لمعرفة آيات القرآن من خلال نظر شمولي إليها جميعا.
[٤٦] ثم إن القرآن عرض أهم ما يستفاد من حياتهم ، لكي يؤكد بأن القصص التي يوردها ليست للتسلية أو مجرد زيادة المعرفة بالتاريخ انما هي للتعلم والموعظة. يقول تعالى عن إبراهيم واسحق ويعقوب :
(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)
حينما يقرأ الإنسان أو يسمع عن حياة العظماء ، أول ما يجب أن يتطلع الى معرفته هو سر عظمتهم ، لا لكي يعرف وحسب بل لكي يأخذ بأسباب العظمة أيضا ، وسبب عظمة هؤلاء ورفعة شأنهم ، هو الايمان الخالص بالآخرة وتذكرها ، الذي كان يزيدهم بعدا عن المعصية وقربا الى الطاعة. أو ليس ربنا يقول في سورة الممتحنة : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) ثم تتواصل الآيات الى قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١). إن العوامل الأخرى لم تتدخل في صياغة
__________________
(١) سورة الممتحنة الآيات / (٣ ـ ٦).