دعنا نضرب مثلا : علم قيادة السيارة قد يكون نظريا ، فهو مجرد علم ، وقد يتحول الى مهارة عملية. ألا يختلفان؟ (٢) ولكن أين الاختلاف؟ إنّما في أنّ دراسة قيادة السيارة في معهد مرحلة أوّلية في علم القيادة ، أمّا إذا تدرّب الإنسان عليها بلغ العلم مرحلته النهائية ، والقرآن ذلك الكتاب الحكيم الذي يشفي الصدور ، ويبعث الهمم ، ويعطي البصائر ، ويكمل العقل ، ويضع الشرائع السليمة ، ... فهو ليس علم الحياة بل هو الحياة.
[٣] الرسالة حقيقة لا ينكرها إلّا المعاندون ، وقد أرسل الله أنبياءه ـ عليهم السلام ـ حتى لم يكن إنكار الرسالة أصلا يجدي أحدا نفعا ، ولعل التعبير القرآني هنا يوحي بهذه الحقيقة إذ قال :
(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ)
فلست بدعا من الرسل ، وإنّما أنت واحد من أولئك الكرام الذين بلّغوا عن الله ، وأنت تصدقهم ، وهم بشّروا بك ... وهذا بدوره شهادة على صدق الرسول.
[٤] وشهادة أخرى على ذلك أنّ الرسول على الصراط المستقيم ، استقامة النفس بالعقل ، واستقامة السلوك بالشرع ، واستقامة القول بالصدق ، واستقامة العمل بالصلاح.
فإذا ضلّت المذاهب في ربهم فإنّ الرسول يهدي الإنسان إلى الله بما يتفق مع الفطرة والعقل ، وحين يبلغ العبد معرفة الرب لا يبقى لديه ريب في صدق الرسالة.
وإذا تطرّفت المذاهب فأهمل بعضها العقل وأهمل البعض البدن ، فإنّ الرسول
__________________
(٢) اننا نستخدم كلمة العلم عادة في الجانب النظري بينما نستخدم للجانب العملي كلمات مثل الفن والمهارة والتدريب والتقنية.