وهارون (وزيره) والمؤمن (الذي صدق بهما) من جهة ، وبين فرعون (الطاغية) وهامان (وزيره) وقارون (الذي اتبعهما) من جهة ثانية ، وتحوّل الحوار الى صراع ، وانتهى الصراع بمصرع آل فرعون ، وتدمير حضارتهم ، وعذابهم بالغدوّ والآصال في البرزخ ، واقحامهم والتابعين في جهنّم ، وساءت مصيرا.
وتتجلّى في السياق صورة مؤمن آل فرعون مثلا رائعا لشخصية المؤمن الصلبة ونفاذ بصيرته ، وقدرته الربّانية على تحدّي الطغيان المادّي ، مما جعلت اسمه عنوانا لهذه السورة الكريمة.
ثانيا : وخلال الحوار والصراع والتحدّي يذكّرنا الكتاب مرّة ثانية بقضية الجدال في آيات الله وكيف ينتهي بصاحبه أن يطبع الله على كلّ قلبه ، ويمسي كفرعون الذي بلغ به الغرور الأهوج حدّا قال لوزيره هامان : (ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) ، ومضى في طريق الغواية حتى النهاية البئيسة ، بينما دعا الصّدّيق الى اتباع نهجه نهج الرشاد ، وركّز على مسئولية البشر عن أعماله ومواقفه ، ثم فوض أمره الى الله بعد أن تحداهم بقوّة ، وكانت العاقبة أنّ الله وقاه من سيئات ما مكروا ، بينما حاق بآل فرعون سوء العذاب ، ولم يفلت المستضعفون من ذات العاقبة التي كانت للمستكبرين ، لأنّهم جميعا جادلوا في آيات الله وعصوا رسله. أمّا رسل الله والذين آمنوا فإنّ الله ينصرهم في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، إلّا أنّ عليهم الصبر والاستغفار وأن يسبّحوا بحمد الله بالعشيّ والإبكار (٥٥) .
ثالثا : وفي المرّة الثالثة يحذّرنا السياق من الجدال في آياته ، مبيّنا ـ هذه المرّة ـ الجذر النفسي لهذه اللعنة التي تصيب القلب وهي الكبر الذي لن يبلغه صاحبه ، وبعد أن يأمرنا بالاستعاذة بالله العظيم يهدينا الى عظمة خلق الله للسموات والأرض ، ويوحي إلينا أنّ الكبر عمى والإيمان بصيرة ، وأنّ الساعة آتية لا ريب