المأثورة كما توضّحها النظريّات الحديثة.
ثانيا : وما هما اليومان اللذان مرت بهما الأرض؟ لقد اختلف المفسرون في ذلك اختلافا كبيرا حيث أنّهم قالوا : إذا كان تقدير اليوم بحركة الأرض فكيف نتصور اليوم قبل وجودها؟ فقال البعض : إنّ المراد منها الأوقات ، كما قال سبحانه : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) (١) أي حينئذ أو وقتئذ ، وقال بعضهم : إنّ المناط في تقدير الأيام إنّما هو بحركة الأفلاك التي كانت قبل خلقة الأرض ، وقال ثالث : ما يكون بقدر الأيام في فرض وجودها ، وقال الرازي : المراد بالأيّام الأحوال المختلفة .. (٢)
ويبدو هذا التفسير أقرب ، ذلك لأنّ أقرب المعاني لليوم هنا برهة من الوقت وحين من الدهر ، وما نتصوره من اختلاف وقت عن وقت وحين عن حين هو اختلاف الأحوال ، فمثلا نحن نميّز بين اليوم الأول من الربيع عن اليوم الثاني منه ، بفاصل الطلوع والغروب بينهما ، كذلك كانت هنالك فواصل معينة بين الوقت الأول والوقت الثاني (أو إن شئت قلت اليوم الأوّل واليوم الثاني) بتطوّر الأحوال.
وفي القرآن يصرّح بهذا التطوّر حيث خلق الله الكائنات بصورة ماء فكان عرشه عليه ، ثم خلقها دخانا ، ثم خلق السموات والأرض ، ولا بدّ أن مرّت دهور متطاولة بين مرحلة ومرحلة حتى اليوم ، كم مرة هذه الدهور بقياساتنا المحدودة؟ حتى الآن لا نمتلك نظريّات حاسمة في هذا الحقل ، بالرغم من أنّ بعض العلماء يقدّر ذلك بخمسة عشر مليار عام مرّت من بداية ما يزعم انفجارا هائلا وموجّها حدث في هذا الكون ، وتمدّدت المادة الأولية المخلوقة في صورة مجرّات ..
__________________
(١) الأنفال / (١٦) .
(٢) نقلنا ذلك باختصار عن موسوعة البحار / ج (٥٤) ص (٦ ـ ١٠) .