[٣٤] الذي يدعو إلى الله يختار أحسن القول ، فما هو الأحسن؟ هناك الحسنة والسيئة والفارق بينهما كبير ، ولكن للحسنة درجات متصاعدة ، كما أنّ للسيئة دركات متسافلة ، والداعي الى الله يختار الأحسن بين درجات الحسنة ..
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ)
قال الشيخ الطبرسي : والمعنى : أنّ الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما ، فلا تستوي الأعمال الحسنة والأعمال السيئة ، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان. (١)
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
وحسب هذا التفسير ، معناه : اختر من الحسنات أفضلها ، ومن الوسائل أبلغها أثرا.
(فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
إنّ الداعي إلى الله يدلّ الناس إلى ذروة الكمال ، ولا يوفّق لهدفه إلّا إذا اكتملت نفسه أوّلا ، واستطاع أن يتعالى على غضبه ومصالحه ، فإذا كانت بينه وبين أحد من الناس عداوة لا يستغل مركزه لتحطيمه ، بل يسعى إليه ليهديه حبّا له ، وحبّا لدعوته ، إذ أنّ وجود حزازات بين الناس وصاحب الدعوة تؤثّر سلبيّا على الدعوة ، ولكن ماذا يملك الداعية في هذا السبيل؟ إنّه يملك نفسه فيسخو بها لربّه ولدعوته ، فإذا به يتنازل عن حقوقه ، وعمّا يسمّى عند الناس بالكرامة الشخصية ، ويطفق بالإحسان الى أعدائه.
__________________
(١) جوامع الجامع / ج (٢) ـ ص (٤٨٢) .