والغرور والحجب لاستمع الى إنذار الرسل ، وقال في نفسه : لو كان هذا الإنذار صحيحا لوجب أخذ الحيطة لنفسي بالاستماع الى شواهد المنذرين وآيات الله التي تتجلّى على أيديهم ، ولو فعل ذلك وألقى السمع من دون وقر الكبر والعجب اهتدى الى الحق.
ثم إنّ عقل الإنسان يهديه بضرورة أخذ الحيطة حتى بمجرد افتراض صحة ما يقوله الرسل ، بهذا ذكّر الإمام الصادق (ع) أحد الملحدين الذي طال جداله في الدين ، فبعد أن رأى عبد الكريم ابن أبي العوجاء الامام في الحج ، وطلب منه العودة الى النقاش ، رفض الإمام قائلا : لا جدال في الحج ، ثم قال له :
«إن يكن الأمر كما تقول ـ وليس كما تقول ـ نجونا ونجوت ، وإن كان الأمر كما نقول ـ وهو كما نقول ـ نجونا وهلكت»
وهبطت كلمة الإمام كالصاعقة على قلبه ، فقال لمن حوله : وجدت في قلبي حزازة ، فردّوني ، فردوه ، فمات (١) .
[٥٣] وأمّا الطريق الى الحقيقة فهو بديع الخلق وحقائق النفس.
لقد حملنا السياق القرآني ومنذ فاتحة السورة الى آفاق السموات والأرض ، وأرانا آيات الله فيها ، من بديع الصنع ، وعظيم الخلق ، ولطيف التدبير ، وحسن التقدير ، ثم ذكّرنا بأعماق النفس التي لو خضنا غمارها لرجعت النفس تائبة الى فطرة العبودية. أرأيت جزعها حين يمسّها سوء؟ هل وجدت يأسها وقنوطها بعد حرصها وطمعها؟ إذا لم تكن هذه شواهد العبودية فما هي إذا شواهدها؟!
لقد أشار القرآن الى بعض هذه الشواهد التي يجدها كلّ واحد منّا في نفسه
__________________
(١) تفسير نمونه / ج (٢٠) ص (٣٢٦) نقلا عن الكافي / ج (١) ص (٦١) .