الذين يبلّغونها فإنّها تشترك في منهجها وأهدافها ، كما تلتقي على نقطة مركزية واحدة وهي أنّها كلّها من عند الله ، وليست من صناعة البشر حتى تتأثّر بطبائعه أو ميزات بيئته أو متغيّرات حياته.
والرسالة الإسلامية تأتي ضمن سلسلة متكاملة من الرسالات ، فهي تكمل المسيرة المتصاعدة للبشرية المستجيبة لربها ، وهي كأيّة سنّة إلهيّة لا بد من التصديق بها حينما تتكرّر ضمن إطار محدّد ، وهي بالتالي مفروضة على الناس ، لأنّ الذي أوحى بها هو الله العزيز المطلق في قوّته مما يجعل وحيه نافذا شاء الناس أم رفضوا ذلك ، والحكيم الذي أتقن الرسالة فجعلها مرآة أهداف الحياة وسنن الخليقة.
[٤] ويحدّثنا ربّنا عن نفسه ، في إطار تذكرته برسالته. لماذا؟ لأنّ معرفته تعالى هي أساس كلّ معرفة ، وتسبق في الأولوية الإيمان بكلّ الحقائق. ومن هذا المنهج يستوحي الإمام علي (ع) بصيرته حين يقول :
«أوّل الدّين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له» (١)
فمن دون معرفة الله ، وهيمنته على كل شيء وإحاطته به ، وملكه للدنيا والآخرة ، لا يستطيع الإنسان أن يؤمن بالوحي الذي هو سنّة إلهيّة خارقة للمألوف عند البشر ، وليس تكاملا يبلغه الإنسان بعبقريّة.
ولقد أشارت الآية السابقة الى اسمي العزيز الحكيم لربّ العالمين ، لأنّ العزّة تعني القدرة الفاعلة أو انعكاس القدرة على الخلق ، وهو يستدعي بعث الرسل ليكونوا مظاهر قدرة الله وهيمنته وعزّته وحاكميته ، كما قال ربّنا عنهم : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ
__________________
(١) نهج البلاغة / خ (١) ص (٣٩) .