حتى أن أحدهم يصدح عن غنمة وابله وبقره ، وعن القرية من القرى فلا يصيبها من المطر قطرة ويكون المطر (٣٢ ـ و) مما يلي الصدحة ، وهو ضرب من السحر ، ورأيت لهم من السحر ما هو أعظم من هذا ، وسألت المتنبي بعد ذلك : هل دخلت السكون؟ قال : نعم ، ووالدي منها ، أما سمعت قولي :
أمنسيّ السّكون وحضرموتا |
|
ووالدتي وكندة والسّبيعا (١) |
فقلت : من ثم استفاد ما جوزه على طغام أهل الشام ، وجرت له أشياء بعد ذلك من الحروب والحبس والانتقال من موضع إلى موضع حتى حصل عند سيف الدولة وعلا شأنه.
قلت : والصدحة التي أشار إلى أنها تمنع المطر معروفة إلى زماننا هذا ، وأخبرني غير واحد ممن أثق به من أهل اليمن أنهم يصرفون المطر عن الإبل والغنم وعن زرع عدوه ، وإن رعاء الإبل والغنم ببلادهم يستعملون ذلك ، وهو نوع من السحر.
وذكر أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن فورجة في كتاب التجنّي على ابن جنيّ قال : أخبرني أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري عمن أخبره من الكتاب قال : كنت بالديوان في بعض بلاد الشام ، فأسرعت المدية في اصبع بعض الكتاب وهو يبري قلمه وأبو الطيب حاضر ، فقام إليه وتفل عليه وأمسكها ساعة بيده ، ثم أرسلها وقد اندملت بدمها ، فجعل يعجب من ذلك ويري من حضر أن ذلك من معجزاته.
قال : ومما كان يمخرق به على أبيات البادية أنه كان مشّاء قويا على السير سيرا لا غاية بعده ، وكان عارفا (٣٢ ـ ظ) بالفلوات ، ومواقع المياه ، ومحال
__________________
(١) ديوانه : ١٥٤.