قال أبو القاسم بن عبد الرحيم ، واتصل بعد هذا بأبي العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان ونفق عليه نفاقا تاما ، فأجرى ذكره عند سيف الدولة أبي الحسن علي بن حمدان ، فأمره باحضاره عنده ، فاشتط المتنبي عليه واشترط أن ينشده جالسا ، وأن لا يكلف بتقبيل الأرض بين يديه ، فأجابه الى ذلك ، وأنشده ، فصادف من سيف الدولة رجلا قد غذي بالعلم ، وحشي بالفهم ، فأعجبه شعره واستخلصه لنفسه وأجزل عطاءه ، وأكرم مثواه ووصله بصلات كثيرة ، وسلّمه إلى الرّواض فعلموه الفروسية ، وصحب سيف الدولة في عدة غزوات إلى بلد الروم منها غزوة الفناء (٣٩ ـ ظ) التي لم ينج منها إلّا سيف الدولة بنفسه ، وأخذت عليه الروم الطرق ، فجرّد السيف وحمل على العسكر ، وخرق الصفوف ونجا بنفسه (١).
قرأت بخط محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتابه الموسوم «بالمفاوضة» ، وأخبرنا به أبو حفص عمر بن محمد معمر بن طبرزد وغيره إجازة عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، قال : أنبأنا أبو غالب بن بشران قال : أخبرنا ابن نصر قال : حدثني أبو القاسم الرّقي المنجم عن سيف الدولة أنه انهزم في بعض السنين وقد حللت الصناديق عن بغاله في بعض دروب الروم ، وأنها ملأت الدروب ، وكان على فرس له يعرف بالثريا وأنه حرك عليها نحو الفرسخ حتى نزل ، ولم يعثر ولم يتلعثم ، وأخبرني أنه بقي في هذه السفرة في تسعة أنفس أحدهم المتنبي ، وأنه كان يحدث أبا عبد الله بن خالوية النحوي حديث الهزيمة ، وأن المتنبي كان يجري بفرسه فاعتلقت بعمامته طاقة من الشجر المعروف بأم غيلان ، فكلما جرى الفرس انتشرت العمامة ، وتخيل المتنبي أنه قد ظفر به ، فكان يصيح : الأمان يا علج ، قال : فهتفت به وقلت : أيما علج ، هذه شجرة قد علقت بعمامتك ، فودّ أن الأرض
__________________
(١) كان ذلك سنة ٣٣٩ ه. انظر زبدة الحلب لابن العديم ط. دمشق ١٩٥١ : ١ / ١٢١ ـ ١٢٢.