مجلس أبي محمد للسلام عليه الذي لم يخلط به غيره ، فغاظ أبا محمد فعله ، وخاطبت المتنبي على استعماله ما استعمل وتأخيره من خدمة الوزير ما أخر ، فقال : لم تجر عادتي بمدح من لم يتقدم له إليّ جميل ، فقلت : إن الوزير شديد الشغف بموردك ، ومعتقد فيك الزيادة بك على أملك ، والامتناع من خدمته إلا بعد الاستسلاف لصلته غير مستحسن منك بل مستقبح لك ، فقال : ليس الى مخالفة عادتي سبيل (٤٣ ـ و) واتصل ذلك بأبي محمد من غير وجهتي ، فأكد غيظه ، وأظهر الاملال به ، والاطراح له ، وفرق ما كان أعده على الشعراء ، وزادهم ، مدة مقام أبي الطيب ، من الاحسان والعطاء ، وتوجه أبو الطيب إلى شيراز ، ثم عاد منها ، فكانت وفاته في الطريق بين دير العاقول ومدينة السلام ، على ما شرح في أخباره ؛ وقد كان أبو محمد اعتقد أن يقطعه بالفعال الجميل ، والحباء الجزيل عن قصد شيراز ، فلما جرى أمره على ما جرى ، تغيرت نيته ، واستحالت تلك العزيمة منه.
قلت : وهذا الوزير أبو محمد هو المهلبي.
قال : وحدثني قال : حدثني أبو علي والدي قال : حدثني أبو اسحاق والدي قال : راسلت أبا الطيب المتنبي في أن يمدحني بقصيدتين ، وأعطيته خمسة آلاف درهم ، ووسطت بيني وبينه صديقا له ولي ، فأعاد الجواب بأنني ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك ، ولا من أوجب علي حقا سواك ، وإن أنا مدحتك تنكر لك الوزير أبو محمد المهلبي لأنني لم أمدحه ، وجرى بيننا في ذاك ما قد عرفته ، فإن كنت لا تراعي هذه الحال ، لأنني لم أمدحه ، وجرى بيننا في ذاك ما قد عرفته ، فأن كنت لا تراعي هذه الحال ، ولا تباليها فعلت ولم أرد منك عوضا من مال. قال : فنبهني والله الى ما كان ذهب عني ، علمت أنه نصحني ، فلم أعاوده. (٤٣ ـ ظ) (١)
***
__________________
(١) في الحاشية : بلغ بدر الدين عبد الواحد.