وهي يومئذ ملكة بلاد الروم ، وأرمانية ، زوجة شاه أرمن سكمان بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط واقليمها رحمه الله ، وكنت متقلدا أمورها ، فشغلني ذلك عن تحرير طريق الحج في تلك السفرة ، فأثبته في السفرة الثانية ، وكان لي عدة سفرات يستحسن ثبت عجائبها ، ويستطرف ذكر غرائبها من الجهاد في الجزر والسّناسنة (١) حتى قدر الله فتحها وتطهيرها من (٣٨ ـ و) الكفر في يوم الأحد عاشر المحرم من سنة سبعين وخمسمائة ، وكان صاحب جيش الاسلام في ذلك الأوان شاه أرمن سكمان بن إبراهيم بن سكمان ، وكان استخلاصها بعد حصارها ثلاث سنين والجهاد فيها ، والحمد لله على ذلك.
ثم بعد ذلك انتقلت من خلاط الى الموصل حماها الله الى خدمة المولى الملك العادل عز الدين أبي المظفر مسعود بن مودود بن زنكي بن آق سنقر ، فأحسن إلي وقربني ، ورد إليّ أمور ملكه ومصالح دولته ، فلم أر شيئا أكافىء ذلك الانعام به إلّا بذل المجهود في الشفقة ، وحفظ مصالحه في أمر دينه ودنياه وتقصير الأيدي المتطاولة والأطماع الفاجرة عن ماله وملكه بوسع الطاقة ، وهو عارف لي بذلك ، موفر حرمتي ، ويزيد في معيشتي ، وكان كلما تجدد حال أو حدث أمر من المهام العظام استندبني فيه ، فلما قدر الله سبحانه وتعالى فتح بيت المقدس عمره الله في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وطهر ذلك البيت المطهر من نجسهم ، تفرقوا في بلاد الكفر ، وجمعوا الجموع من أقصى بلاد الكفر ، وجاءوا بخيلهم ورجلهم ، ونزلوا على عكة وحصروها ، واستنجد المسلمون المولى أتابك عز الدين فبادر إلى اجابتهم ، وتلبية دعوتهم ، وجمع الجموع ، وجهز الجيوش ، وأخرج الأموال ، وجعل ولده أميرا عليهم ، وهو الملك (٣٨ ـ ظ) السعيد علاء الدين ، وجعلني مقدم جيشه ، ومر بي ولده ، وقلدني أمورهم ، وحفظ مصالح الدولة ومصالحهم ، بحيث كان طريق الطاعة والجهاد في سبيل الله ، وزيارة بيت الله المقدس عمره لله أحببت أن أثبت مراحله ومنازله ، وما تجدد لنا في تلك السفرة المباركة ،
__________________
(١) لم اقف على تعريف للسناسنة ، والمعروف أن الجزر من كور حلب ، إنما يبدو أن المعني هنا غيرها لان شاه أر من كان صاحب خلاط في أرمينيه الدنيا.