وقد كان في حياته تقدم الى أهل زمانه أن يؤرخوا بسني ملكه ويجعلوا ابتداءها من أول سنة سبع وعشرين من سني عمره ، ومنه كانوا يؤرخون كتبهم ، ثم أرخوها بعد وفاته بسنة ست من سني الاسكندر وذلك من ابتداء حركته (١).
وقرأت في مجموع عتيق بخط بعض الادباء خبر وفاة الاسكندر مختصرا قال فيه : (٥١ ـ ظ) لما اعتل العلة التي أيس فيها من نفسه كتب الى والدته : اصنعي صنيعا وادعي اليه من لم تصبه مصيبة ، فلما وصل الكتاب بذلك اليها قالت : لقد عزاني الاسكندر عن نفسه.
ولما مضى لسبيله رثاه الناس فمما قالت الفلاسفة : قال أحدهم : حركنا الاسكندر بسكونه ، وقالوا أرسطو طاليس : صدر عنا الاسكندر ناطقا ، وقدم علينا صامتا ، وقال اخر : خرجنا الى الدنيا جاهلين ، وأقمنا فيها غافلين ، ونخرج منها كارهين ، وقال ميلاطوس : أيها الساعي المغتصب جمعت ما خانك عند الاحتجاج ، وتركك عند الاحتياج ، فلا قرابة يزورك ، ولا وزير ينقذك ، وقال فيليمون : هذا يوم عظيم أقبل من شره ما كان مدبرا ، وأدبر من خيره ما كان مقبلا ، فمن كان باكيا على زوال ملكه فليبك ، وحمل في تابوت من ذهب فلما رآه بعض الفلاسفة قال : جمعته حيا وجمعك ميتا ، وقيل ان الذي قال هذا أمه ، وقال آخر : ما أزهد الناس فيك وأرغبهم فيما أنت فيه ، ودفن بحمص رحمه الله.
قلت : وهذا يؤكد ما يتعارفه أهل بلادنا أنه مقبور بشحشبو (٢) ، قرية من بلد كفر طاب ، لان كفر طاب وحلب وناحيتها كانت مضافة الى حمص من قديم الزمان الى ان عزل يزيد بن معاوية قنسرين وعملها وجعله جندا على حده ، وأفرده عن حمص وقيل ان الذي فعل ذلك معاوية أبوه ، والله أعلم (٣).
__________________
(١) تاريخ سني ملوك الارض الانبياء : ٧٢ ـ ٧٣.
(٢) رسمها من قبل بحائين (شحشحبو).
(٣) في المصادر العربية أحاديث كثيرة حول الاسكندر المقدوني ، وأجمع ما جاء في هذه المصادر ما أثبته المبشر بن فاتك في كتابه «مختار الحكم ومحاسن الكلم» ط.
بيروت ١٩٨٠ : ٢٢٢ ـ ٢٥١.