شرارهم ، وجعل المال في أشحائهم ، ومضى ، فأتيت منزلي فما وضعت ثيابي حتى جاءني رسول الحجاج فأتيته وقد اخترط سيفه فهو في حجره ، فقال : ادن فدنوت قليلا ، ثم قال : ادن ، فقلت ليس بي دنو وفي حجر الامير ما أرى فاضحكه الله تعالى لي وأغمد السيف ، فقال : ما قال لك الخبيث؟ فقلت : والله ما غششتك منذ استنصحتني ولا كذبتك منذ صدقتني ولا خنتك منذ ائتمنتني ، فأخبرته بما قال فلما أردت ذكر الرجل الذي عنده المال ، صرف وجهه وقال : لا تسمه ، وقال : لقد سمع عدو الله الاحاديث (١).
وقال : أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري قال : حدثنا محمد بن دريد قال : حدثنا أحمد بن عيسى عن العباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قال : خطب الحجاج الناس بالكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أهل العراق تزعمون أنا من بقية ثمود ، وتزعمون أني ساحر وتزعمون أن الله عز وجل علمني اسما من أسمائه أقهركم وأنتم أولياؤه بزعمكم وأنا عدوه ، فبيني وبينكم كتاب الله تعالى ، قال عز وجل «فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه (٢)» ، فنحن بقية الصالحين ان كنا من ثمود ، وقال عز وجل : «انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى» (٣) والله أعدل في خلقه (٢٦ ـ ظ) من أن يعلم عدوا من أعدائه اسما من أسمائه يهزم به أولياءه. ثم حمى وكثر كلامه فتحامل على رمانة المنبر فحطمها فجعل الناس يتلاحظون بينهم وهو ينظر اليهم ، فقال : يا أعداء الله ما هذا الترامز أنا حديا الظبي السانح والغراب الأبقع ، والكوكب ذي الذنب ، ثم أمر بذلك العود فأصلح قبل أن ينزل من المنبر. قال المعافى : قول الحجاج : أنا حديا الظبي فانه أراد : إنا لثقتنا بالغلبة والاستعلاء نتحدى ارتفاع الظبي سانحا وهو أحمد ما يكون في سرعته ومضائه ، والغراب الأبقع في تحدره وذكائه ومكره وخبثه ودهائه ، وذا الذنب من الكواكب فيما ينذر من غرائب مكروه بلائه ، والله ذو البأس الشديد ، بالمرصاد له ولحزبه وأوليائه (٤).
__________________
(١) ليس بالمطبوع من كتاب الجليس الصالح.
(٢) سورة هود ـ الآية : ٦٦.
(٣) سورة طه ـ الآية : ٦٩.
(٤) ليس بالمطبوع من كتاب الجليس الصالح.