قرأت في كتاب المفاوضة جمع محمد بن علي بن نصر الكاتب بخطه.
وأخبرنا به اجازة زيد بن الحسن بن زيد الكندي عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الانصاري قال : أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي قال : قرأ علينا محمد بن علي بن نصر الكاتب قال : وحدثني أبو الفرج يعني الببغاء قال : هربت وقتا من الاوقات من أبي العشائر ، وصرت الى حلب ، وسألت سيف الدولة أن يمنعه عني ، وقلت : ان أخلاقه لا تلاؤم أخلاقي ، وقد ربيتني واصطنعتني ، وأريد أن لا أبرح حضرتك ومجلسك ، قال : افعل ومضى على هذا مديدة قريبة ، فدخلت يوما واذا بين يدي سيف الدولة رجل عربي لا أعرفه عليه جبة ديباج وفرو وعمامة خز بلثامين ، متقلدا سيفا محلى ، وهو جالس على السرير ورجليه على الأرض وسيف الدولة يقبل عليه يحادثه فاستطرفت ذلك ، ولم يكن في العرب كلها من يجلس تلك الجلسة مع سيف الدولة ، قال : ونهض فاذا هو أبو العشائر فلما رأيته أسقط في يدي ، ودنا مني فقبض عليّ فقلت لسيف الدولة : أيها الامير الذمام ، فقال : ليس على أبي العشائر ذمام ، ثم قال له : احتفظ به فإنه فرار فلم يبق في موضع للمنازعة (١٢ ـ ظ).
فقلت : أيها الامير ما يمكنني الخروج ، قال : ولم؟ قلت : علي دين وأحتاج الى ابتياع شعير لدوابي ، وحنطة لغلماني ، وهذا وجه الشتاء ولابد أن أنظر في أمري فقال : كل هذا يتنجز في الساعة ، ووقع الى الداريج (١) بكرين شعيرا والى صاحب المنثر بثلاثة أكرار حنطة ، وأطلق من خزانته ألفي درهم ، وأمر بحمل عشر قطع ثيابا ، وحصل جميع ذلك وما تعالى النهار وهو جالس في دار سيف الدولة ، فلما حضر صاحبه وعرفه حصول ما عددته كله قال : اركب على اسم الله ، فركبت ومضيت معه الى أنطاكية فما كان يخليني من خلعة وبر وتفقد ، ورسومي على سيف الدولة مطلقة في أوقاتها غير متأخرة عني بحال ، وهذه كانت عادات الرؤساء في الافضال.
__________________
(١) من الواضح انه من العمال وأن الكلمة مركبة من دار ـ يج ، هذا ولم أهتد الى معناها بدقة لا في المعاجم العربية أو المعربة.