والجواب : لأنّه نزل من الله ، والله هو العزيز الحكيم ، فبعزّته يفرض الكتاب على الإنسان والطبيعة فرضا ، وبحكمته يجعله كتاب هداية وبصيرة ، ومصدر توجيه للإنسان إلى الحق وإلى ما فيه صلاحه.
[٣] وفيما يلي من الآيات يحدّثنا القرآن الحكيم عن تجلّيات اسمي العزّة والحكمة في الكون ، وعن الظواهر ذات الدلالة الواضحة على عزّة الربّ وحكمته ، ونحن لا بد أن نفقه تلكم التجلّيات وهذه الظواهر ، لأنّ فهمنا للخليفة من حولنا لا يكون فهما عميقا إلّا إذا كان فهما مترابطا متفاعلا ، فلا بد أن نربط ـ مثلا ـ بين ارتفاع القمر ونزوله وبين المدّ والجزر في البحر ، كما نربط بين طلوع الشمس وبين التفاعلات الكيماوية التي تحدثها في أوراق الأشجار ، فالكائنات حقائق مترابطة يتصل أدنى شيء منها بأقصاها ، والكبير والصغير والقريب والبعيد في ذلك سواء ، كلّهم متفاعلون مع بعضهم يجري ربّنا عليهم حكما واحدا ونظاما مطّردا ، ولا نستطيع أن نفهم القوانين الثابتة التي تجري في الخلق إلّا بفهم ذلك التفاعل ، فالقانون الذي تتحرّك على أساسه أكبر مجرّات الفضاء هو نفس القانون الذي تتحرّك وفقه الكريات المتناهية في الصغر داخل الدرّة المتواضعة ، ثم إنّ كلّ ذلك التواصل والتفاعل والخضوع للسنن الواحدة يهدينا إلى الحقيقة العظمى الا وهي التوحيد : ان ربّنا العزيز الحكيم هو الخالق لها جميعا ، وهو المدبر لها.
ويبدو انّ منهج القرآن لانماء هذا الوعي الشمولي للكائنات الذي يشكل مستوى رفيعا من تكامل عقل الإنسان يتمثل في انّ القرآن يذكّرنا باسم من أسماء الله الحسنى ، تم يتدرّج نازلا من ذلك الاسم إلى مختلف الظواهر التي يتجلّى فيها ذلك الاسم الكريم ، في عالم الطبيعة (الآفاق) وعالم الإنسان (الأنفس) ، في حاضر الإنسان أو ماضيه أو مستقبله ، لكي تتماوج بنور الله اشعة فكره صاعدة من بعض ظواهر الخلق إلى أسماء الخالق ، ونازلة من أسماء الربّ إلى سائر الظواهر ،