والسؤال : متى تمّ الاعتراف بحركة الرسول في ذلك المجتمع؟
لقد تمّ ذلك في صلح الحديبية ، حيث اعترفت من خلاله قريش التي كانت سيدة على مكة وسائر العرب بالرسول وأتباعه ورسالته كأمر واقع ، وقد تأكّد هذا الاعتراف بوضوح عند التوقيع على البند القائل : من أراد من القبائل الانضمام الى الرسول (ص) والتحالف معه ، أو الانضمام الى قريش والتحالف معها فله ذلك .. وذلك يعني أنّ هناك حكومتان في الجزيرة حكومة قريش وحكومة الإسلام.
وفعلا تحالفت طائفة من القبائل ـ كخزاعة ـ مع الرسول (ص) ، وبدأ الإسلام بالانتشار في ربوع الجزيرة ، ولعل الآثار الايجابية التي ترتبت على صلح الحديبية ـ ومن أهمّها تحالف القبائل العربية مع النبي الأعظم ـ هي التي يسمّيها القرآن بالفتح المبين.
فالفتح المبين ليس هو الفتح العسكري ، إنّما هو الفتح السياسي والثقافي الذي حقّقه الرسول في صلح الحديبية ، وكان تمهيدا ومرتكزا للفتح العسكري فيما بعد ، حيث حصل بعد الصلح على حالة السلام ، صار يتحرك بسرعة جادة تحت مظلته لنشر الدين ، قال الامام الصادق (ع): «فما انقضت تلك المدّة ـ يعني مدة الصلح ـ حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة» (١).
ومن الطبيعي أنّ الحركة الثورية الناجحة تتقوّى ، وتبني نفسها في ظروف السلام ، وتستعد لظروف المواجهة ، وما دامت الحكومة (الواقعية) في الجزيرة أوقفت حربها مع الحركة الرسالية بعد الصلح ، تحرّك المؤمنون بقيادة الرسول (ص) لنشر الإسلام ، وصاروا يقوّون أنفسهم في ظروف الهدنة ، الى أن فتحوا مكة عسكريّا بعد سنوات قليلة.
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٢٠ ص ٣٦٣