[٢ ـ ٣] وكان لهذا الفتح معطيات عظيمة ، من أبرزها غفران الله لرسوله الأكرم (ص) ما تقدّم وما تأخر من الذنب ، وإتمام النعمة عليه ، وهدايته الى الصراط الحق ، وقد اختلف المفسرون في بيان معنى الذنب بالنسبة للرسول ، فمن قائل بأنّ للرسول ذنوبا قبل الإسلام وبعده غفرها الله له ، ومن قائل بأنّه كانت له ذنوب قبل الفتح وبعده (فتح مكة) فأعطاه الله صك الأمان بغفران السابق واللاحق منها ، وقالت جماعة بأنّ الرسول لم يذنب وإنّما الغفران متوجه الى أمته باعتبارها أمّة مرحومة.
ويبدو أنّ كلمة الذنب لا تنصرف الى المعنى الظاهر منها وهو المعصية ، وإنّما تنصرف الى ما كان الكافرون والمشركون يعدّونه ذنبا ، إذ كانت حركة الرسول (ص) بذاتها ذنبا في اعتقادهم ، لأنّها تمرّد على الواقع القائم ، فصار جزء من الواقع القائم بعد الصلح فارتفع عنه ذلك التصوّر وغفر له ذنبه في نظرهم ، ولتقريب الفكرة أكثر نقول : إنّ موسى (ع) لم يكن في ذمته ذنب حينما قال : «وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ» (١) وإنّما كان ذلك وفق القانون الحاكم ، كذلك الرسول (ص) كان مذنبا حسب ذلك القانون حتى تغيّر القانون في صلح الحديبية ، حيث أنّ رسولنا الأكرم (ص) كان قد قتل منهم في بدر وأحد والأحزاب ، وغنم أموالهم ، وأسر رجالهم ، بل وغيّر أوضاعهم ، فهو كان عندهم مذنبا ، وجاء الصلح ليطوي هذه الصفحة من أذهان المشركين ، ويصيّرهم في سلام مع المسلمين.
أمّا أن يكون معنى الذنب هو ظاهر الكلمة فإنّ ذلك لا يليق بمقام الأنبياء ، وبالذات مقام أعظمهم شأنا وأرفعهم منزلة عند الله ، وحاشا لله أن يبعث رسولا يرتكب الذنوب ، كما أنّه من الخطأ أيضا القول بأنّ الله أعطى الرسول صك الغفران ، إذ كيف يرفع المسؤولية عن أحد بدون مبرّر؟ وهل بينه وبين أحد من
__________________
(١) الشعراء / ١٤