بيعة الرسول (ص) مع أصحابه تحت الشجرة قد أرهبت قريشا ، لأنّها كانت مظهرا للقوة ، ومناورة يرهبها الأعداء ، والتظاهر بالقوة أمر مهم ، وبالذات لمن يريد الصلح ، لأنّ ذلك يجعله في موقع القوي المهاب على طاولة المفاوضات ، وفي سياسة اليوم تتكرر كلمة الردع النووي وهي مظهر لسياسة القوة).
فقال بديل : سأبلغهم ما تقول ، فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل ، وإنّه يقول كذا وكذا ، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال : إنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها ودعوني آته ، فقالوا : ائته ، فأتاه فجعل يكلّم النبي (ص) ، وقال له رسول الله (ص) نحوا من قوله لبديل ، فقال عروة عند ذلك : أي محمّد أرأيت إن استأصلت قومك ، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فو الله إنّي لأرى وجوها وأرى أو باشا من الناس خلقا أن يفرّوا ويدعوك ، فقال له أبو بكر : أمصص بظر اللّات. أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال : من ذا ، قالوا : أبو بكر ، قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ، قال : وجعل يكلّم النبي (ص) ، وكلّما كلّمه أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي (ص) ومعه السيف وعليه المغفر ، فكلّما أهوى عروة بيده الى لحية رسول الله (ص) ضرب يده بنعل السيف ، وقال : أخّر يدك عن لحية رسول الله (ص) قبل أن لا ترجع إليك ، فقال : من هذا؟ قالوا : المغيرة بن شعبة ، قال : أي غدر. أو لست أسعى في غدرتك؟ قال : وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية ، فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي (ص) : «أمّا الإسلام فقد قبلنا ، وأمّا المال فإنّه مال غدر لا حاجة لنا فيه».
ثم إنّ عروة جعل يرمق صحابة النبي (ص) إذا أمرهم رسول الله (ص) ابتدروا أمره ، وإذا توضّأ ثاروا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلّموا أخفضوا أصواتهم عنده ، وما