نتصوّر بأنّ تلك النجوم التي تفصلنا عنها ملايين السنين الضوئية لا علاقة لها بنا ، كلّا .. وهذا يفسّر الحديث القدسي : «خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي» الذي يشير إلى العلاقة بين كلّ شيء وبين الإنسان ، وقد قدّم ربّنا الإشارة إلى خلق الإنسان على الحديث عن الكون لأنّه الهدف.
[٧ ـ ٩] ثم أنّ السورة المباركة تذكّرنا بتجلّ آخر لاسم الرحمن في نعمة السلام والأمن ، سواء كان أمن وجود الإنسان أو أمن حقوقه ، فالسماء رفعت كي تحافظ بطبقاتها على وجوده ، فهي تمنع عنّا النيازك والشهب الساقطة ، كما يمتص الغلاف الجوي الأشعة الضارّة أنّ تصل إلينا ، ويخفّف من الأشعة الأخرى التي من شأنها لو وصلت إلينا بصورة مركّزة الإضرار بنا أيضا ، وهكذا .. وكما ضمن الله حياتنا بالسماء ضمن برحمته الحقوق للإنسان عند ما وضع الميزان.
(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ)
الحياة كلّها من النبتة الصغيرة حتى الشجرة الكبيرة ، ومن الذرة المتناهية في الصغر حتى المجرّة المتناهية في السعة والضخامة ، وفيما بينها الإنسان والشمس والقمر ، كلّ ذلك يتجلّى فيه التدبير اللطيف والنظام الدقيق ، حتى قالوا أنّ الحياة كتبت بلغة رياضية ، ولذلك فإنّها تنعكس في ضمير الإنسان وفي رسالات الله بصورة موازين وقيم. أليس الفكر مرآة صافية؟ أو لا تعكس هذه المرآة ذلك النظم الدقيق ، والتدبير الحسن؟ بلى. وكذلك الوحي يذكّرنا بالعقل ، ويفصح عن تلك الموازين الحق التي انبثّت في الخليقة.
فالإنسان يعرف الخير من الشر ، والحسن من القبيح ، بل ويزن أيضا أيّ الشرّين أهون وأيّ الحسنيين أفضل ، كما أنّه يتمتع بحسّ جمالي. ألا تراه كيف يميّز بين لوحة وأخرى ، ووجه وآخر ، كما أنّه بحواسه يفرّق بين الأحجام ، والألوان ،