(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ)
وفي الآية إشارة الى عدة ظواهر طبيعية ، الاولى التقاء مياه البحار المالحة بالمياه الاخرى العذبة ، كمياه الشط والأنهار ، فانها وان كانت تلتقي مع بعضها ولكنها تبقى على طبيعتها لا تتغير لفترة من الوقت. وصورة أخرى من حكمة الربّ انه جعل الأنهار في كل العالم مرتفعة عن البحار ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (١) والظاهرة الثانية هي التقاء البحار حتى المالحة مع بعضها. إن ثلاثة أرباع كوكبنا يتكون من ماء البحار والمحيطات ، وهي متصلة مع بعضها ، والأرض في حركة دائمة حول نفسها وحول الشمس إلّا ان منسوب المياه فيها كلها يبقى ثابتا ، ولم نجد يوما انها انسكبت في بحر واحد ليطغى ماؤه مثلا.
وحينما نبحث في الطبيعة من حولنا نجد شواهد أخرى لهذه الآية الكريمة ، فان شطري البيضة (الصفار والبياض) مهما رججتها لا يمتزجان ، وكذلك بحار النور والظلمة في حركة الليل والنهار فإنهما يتحركان حركة ذاتية وبينهما نقطة التقاء دائمة ولكنهما لا يختلطان (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) (٢) وحينما نعود من رحلة التفكر في الآفاق الى شوط آخر من التفكر في أنفسنا نجد مظهرا لهذه الحقيقة في حياة الإنسان ، حيث يلتقي ماء الرجل بماء المرأة ويكونان النطفة التي تنمو حتى تصير خلقا سويا ذكرا أو أنثى ، وتظل خصائص المرأة وخصائص الرجل هي هي لا تتغير ، بل ان المياه العذبة التي نستخرجها من باطن الأرض لشربنا تلتقي أحواضها مع مياه البحر التي تتشبع بها الأرض حتى الأعماق ولكن «هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ» (٣) وفي الواقع
__________________
(١) الفرقان / ٥٣
(٢) فاطر / ١٣
(٣) المصدر