وكانت من أهداف رسالات الله كسر هذه الحدود الوهمية ، وبعث الإنسان نحو آفاق العلم واثارة تطلعاته الكامنة. هكذا يقول ربنا سبحانه عن رسالة النبي محمد (ص) ، (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (١).
لقد كانت السيارة في ذلك العصر أمرا مستحيلا لا يداعب مجرد خيال الناس ، فاذا بالقرآن يأخذهم بعيدا جدا ليحدثهم بما يتضمن التشجيع على الوصول الى أقطار الأرض وآفاق السماء. وكم ينمى مثل هذا الحديث من الله المقتدر الثقة في الإنسان بنفسه ، ويوسع من حدود طموحاته حينما يسمعه مصدقا به مؤمنا بقوله.
لقد اختلف المفسرون وهم يبحثون عن مضمون الآية (٣٣) مع انها واضحة. لما ذا؟ لأنّ فكر الإنسان يتحدد بالجو العلمي المحيط ، فبعد أن اتصل فكر المسلمين بالفكر الاغريقي وبالذات في مجال الهيئة البطليموسية التي كانت تتصور السماء من الجواهر غير القابلة للرتق والفتق لذلك نجد بعض المفسرين طرح آراء بعيدة ، فقالوا بما انه يستحيل على الانس والجن أن يصعد الى الآفاق فان «إِنِ اسْتَطَعْتُمْ» في الآية ظاهر في التحدي ، أي إنكم لا تستطيعون أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض بينما الآية ظاهرة في خلاف ذلك حيث نقرأ في نهايتها «لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ» ، فهم ينفذون ولكن بسلطان. وهكذا القرآن لم تنعكس على آياته النظريات العلمية الشائعة في عهد نزوله ، ولو كان من صنع البشر لكان يستحيل أن يبقى معتصما عن آثارها عليه أليس الإنسان يكون أفكاره من الجو العلمي المحيط به؟ ألا ترى كيف ان تفاسير الناس للقرآن تأثرت بالأجواء العلمية لعصر كتابتها ، مع انها كانت تحوم حول الكتاب المتعالي عن النقص ، ولا نجد كتابا ألفه البشر عبر التاريخ إلا وكان مرآة للمستوى العلمي الذي بلغه الناس يومئذ إلا القرآن. أو
__________________
(١) الأعراف / ١٥٧