هؤلاء لا يعبدون الله خوفا من النار فقط ولا طمعا في الجنة فحسب ـ وان كان ذلك بعض تطلعاتهم ـ ولكن دافعهم الأساس للعبادة هي المعرفة اليقينية العميقة بربهم ـ عزّ وجلّ ـ إذ انهم وجدوه أهلا للعبادة فعبدوه ، قال أمير المؤمنين (ع) : «فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة» وقال زين العابدين (ع) : «اني أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلّا ثوابه ، فأكون كالعبد الطمع المطمّع ، ان طمع عمل والألم يعمل [و] اكره أن [لا] أعبده إلّا لخوف عقابه ، فأكون كالعبد السوء ان لم يخف لم يعمل» .. قيل : فلم تعبده؟! قال : «لما هو أهله بأياديه علي وانعامه» (١) ويبين الامام الرضا (ع) خلفية هذا النهج في العبادة إذ يقول (ع) : «لو لم يخوف الله الناس بجنة ونار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ولا يعصوه ، لتفضله عليهم ، وإحسانه إليهم ، وما بدأهم به من انعامه الذي ما استحقوه» (٢).
والامام الصادق (ع) يشير إلى الدوافع الحقيقية لسلوك هذا الفريق الا وهو العلم والمعرفة ، فيقول : «من علم انّ الله عزّ وجلّ يراه ، ويسمع ما يقوله ويفعله من خير أو شر ، فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ، فذلك الذي (خافَ مَقامَ رَبِّهِ ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) (٣).
وحتى لو خشي هؤلاء النار ، أو طمعوا في الجنة فليس لذاتيهما ، بل لان الأولى تبعدهم عن الله ، والثانية تقربهم الى مقامه تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، والامام علي (ع) يقول في مضمون حديث : لو علمت ان رضا الله في ان ألقي بنفسي في النار لفعلت ، ولو علمت ان رضى الله في أن ألقي بنفسي من على شاهق لفعلت.
__________________
(١) بح / ج ٧١ ص ١٧٤
(٢) المصدر / ص ٢١٠
(٣) أصول الكافي ج ٣ / ص ١٢٦