ويعود السياق هنا ـ وبعد ذكر كل نعمة في الجنة ـ ليشفي قلوبنا من داء التكذيب بآلاء الله ، وهذا هو طبيعة منهج القرآن : انه لا يجعل الحديث عن المستقبل الغائب مجردا وبعيدا عن واقعنا ، بل يوصله بنا ، ويسعى من خلال ذكره الى علاج مشاكلنا ، ودفعنا باتجاه ايمان ومعرفة أكثر وأعمق ، وهو في هذا المورد يريد القول بان ذلك النعيم نتيجة شكر نعيم الدنيا.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
ويصرح القرآن بهذه الحقيقة بعد حديث مفصل عن الجنة في سورة الإنسان قائلا : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (١) بل هي التجلّي الأعظم لقول الله : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٢) إذا لندع التكذيب بآلاء الله.
[٥٠ ـ ٥١] وتطمع نفوسنا المجبولة على حب الاستطلاع في معرفة المزيد من الجنتين ، فيقول ربنا :
(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ)
العين في الدنيا تتصل بمخازن الماء في الأرض وكلما استنزفت ملأتها المخازن ، ولكن الله لا يقول «عينان» وحسب ، بل يضيف «تجريان» وتوحي هذه الجملة بان الماء هناك في حركة دائمة مما تزيد المنظر روعة وجمالا.
ولا يذكر القرآن ما في العينين : هل هو الماء ، أم اللبن ، أم الخمر ، أم العسل ، أم هو شيء آخر؟ والإبهام يزيد النفس شوقا ، والله يبهم قاصدا وهو القائل : «فَلا
__________________
(١) الإنسان / ٣٢
(٢) إبراهيم / ٧