قيل : من كل نوع صنفان ، أحدهما يشبه الذي في الدنيا ، والآخر يختلف عنه في حجمه ومذاقه وألوانه ، مما يختص بالآخرة وهو الأفضل ، قال تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) (١) وقد يكون المعنى من الزوجين : أي ان ما في الجنة الأول موجود في الثانية ، فيكون المقصود المقابلة وأو يكون المعنى : نوعين من الفاكهة الواحدة ، ويحتمل معنى التكامل ، بحيث تجد لكل فاكهة اخرى تكملها شكلا وفائدة ، وكما نعيم الجنة يكمل بعضه بعضا ، كذلك عذاب النار ، فجهنم يكملها الحميم الآن.
وهذا النعيم لا يحصل عليه إلّا من عرف الرحمن ، وقدّره حق قدره ، فصدق آلاءه ، وخاف مقامه.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
وهذه الآيات تؤكّد أن الحديث عن الجنة والنار حق وليس مجرد إثارة لحالة الطمع والخوف عند البشر ـ كما يزعم البعض ـ ذلك ان ربنا غنيّ عن مخالفة وعده ، أو بيان ما ليس بحق ، وان قدرته في موضع الرحمة ، أو في موضع النكال والنقمة مطلقة لا يحدها شيء ، (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) ولكن مشكلة الإنسان أنه يقيس الأمور على قدره ، وحسب قدراته وفهمه المحدودين ، فلأنّه لا يستطيع إحياء الموتى يشكك في البعث ، ولأنه محجوب عن علم المستقبل وما لا يراه ، تراه يرتاب في الغيب أو يكفر به ، وهذا نوع من الشرك الفكري ، قال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
__________________
(١) البقرة / ٢٥
(٢) يس / ٨٢