ولعله لذلك أكد ربنا على أنه غني بذاته عن خلقه ، وعن أي فعل يمارسونه فقال سبحانه :
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)
فلا يتصور أي فائدة تصل الى الله ـ سبحانه ـ من خلال خلقه ، وحتى ما قيل (بأن الله سبحانه كان كنزا مخفيا ، فأراد أن يعرف) لم أجد مصدره وحتى لو كان لهذه الكلمة مصدر موثوق فان علينا تأويله بما لا يتنافى ونص الآية الكريمة ، وحكم العقل بأن الله لا تصل اليه منفعة من لدن خلقه والظهور بعد الخفاء نوع من المنفعة ، ولذلك نقرأ في الدعاء المأثور : «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك» (١).
ويبدو أن الفارق بين الرزق والإطعام هو أن الرزق يستمر ، بينما قد يكون الطعام مرة واحدة ، وقد لوحظ في كل منهما معنى الاستفادة والمنفعة ، وكأن المرزوق يعتمد في بقائه على الرزق أو الطعام الذي هو مفردة من مفردات الرزق.
[٥٨] وكيف يحتاج الى الرزق من يعتمد عليه الخلائق جميعا في حياتهم ، فلو لا دوام فضله ، وتواتر نعمه ، وتواصل رزقه لم يبق شيء مخلوق.
(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ)
والرزاق لا يكون مرزوقا.
__________________
(١) المصدر / ٩٢٤