(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ)
لأنّهم ضعفوا أمام إغراءاته وتحريضاته وأساليبه ، والشيطان ليس الجنّي وحسب ، بل هو كلّ أحد يدعو الإنسان إلى معصية ربّه ، كعلماء السوء ، ووسائل الاعلام المضلّلة ، والأنظمة المنحرفة ، وكذلك الأحزاب والحركات الضالّة. ولا يتسلّط على أحد ما دام يملك الإيمان. أو ليس الإيمان حصن الاستقلال؟ أو جنّة للفؤاد من الفتن والشهوات ، فإذا فقد البشر ثقته بالله وتوكّله عليه عند عصف الشهوات ، وتواصل الضغوط ، فأنّى له الصمود؟ إنّه يضحى كما الريشة في بؤرة الزوبعة ، فاقدا لأيّة إرادة أو أصالة وتفكير ، يستسلم لمن يسوقه من شياطين الجنّ والإنس.
والإنسان لا يمكن أن يعيش فراغا قياديّا ، فهو إن لم يناصر الحق ، ويوالي قيادته ، وينتمي إلى تجمّعه ، نصر الباطل ووالى رموزه ، وانتمى إلى تيّاره ، وقد رفض المنافقون الخطّ الأوّل ، واتبعوا أهواءهم وشهواتهم ، فوقعوا في أشراك الشيطان ، وتمكّن منهم إلى أقصى حد. وقالوا في معنى كلمة «استحوذ» أنّها من أحوذ الشيء أي جمعه وضمّ بعضه إلى بعض ، وإذا جمعهم فقد غلبهم وقوي عليهم.وقال بعضهم : إنّه من الحوذ وهو ظاهر فخذ الإبل حيث تساق من خلال ذلك المحل. والمراد واضح وهو الغلبة عليهم.
(فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ)
في قلوبهم وسلوكهم وواقعهم العملي. وحيث أنّ في ذكره تعالى فإنّ نسيانه خسارة عظيمة للإنسان ، وإنّه ليبدأ في الإضلال من أصغر الأمور خطوة بعد خطوة يتمكّن من صاحبه ، بشتّى الأساليب الماكرة ، وأهمّها تزيين الدنيا والذنوب لديه ، وإثارة التمنّيات في قلبه ، وبعثه نحوها ، ومزج الحقّ بالباطل قال أمير المؤمنين