ولعلّ الآية تهدينا إلى أنّ هؤلاء المنافقين يعيشون في داخلهم شعور الضعة والحقارة والذل ، ممّا يدفعهم بناء على ظنونهم وتصوّراتهم الخاطئة إلى التولّي لأعداء الله بحثا عن القوّة والعزّة ، ويتمسّك المؤمنون الصادقون بولائهم وانتمائهم لله ولحزبه وقيادته ، لاعتقادهم الراسخ بانّ ذلك هو السبيل إلى العزّة والقوّة (الفلاح).
وتظهر ذلّة الكفّار بصورة أجلى حينما يصبّ الله عليهم العذاب المهين ، فلا تبقى لهم كرامة بين الناس ، ولا في أنفسهم ، إلّا أنّ مشيئته تعالى بإذلالهم ليست محصورة في الآخرة ، وكذلك عزّته لحزبه ، بل هما مفروضتان ومحتومتان في الدنيا أيضا ، وتتجلّيات في نصره سبحانه لحزبه ، وإنّ ذلك حقّ محتّم ، خلق الله الحياة على أساسه ، وفرضه بإرادته.
(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)
أي فرض وأثبت ، كقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (١) ، و(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) (٢) ، ولا مبدّل لما يكتب الله ، لأنّه الإرادة المطلقة. وفي الآية تأكيدات أربعة : الفعل «كتب» ، ولام التوكيد ، والنون في «لأغلبنّ» ، والضمير المنفصل «أنا» ، وكل ذلك حتى يطمئنّ المؤمنون بنصر الله لهم رغم كلّ التحدّيات ، والظروف المعاكسة ، حيث يقفون بالعدد القليل ، والعدّة المحدودة ، في مقابل حزب الشيطان بأعداده الكثيرة وإمكاناته المادية والمعنوية الهائلة ، ويعلمون أنّهم سينصرون عليه ، وستكون الغلبة لصالحهم ، لأنّهم إن قلّوا ، وقلّت إمكاناتهم ، مؤيّدون بإرادة الغيب المطلقة.
(إِنَّ اللهَ قَوِيٌ)
__________________
(١) البقرة / ١٨٣
(٢) البقرة / ٢١٦