من دونه ، وهكذا فسرّنا قوله سبحانه : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً» بأنّه الوحي الإلهي والقيادة التي تمثّله ، وهكذا أوضح الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث الثقلين (كتاب الله وعترته) أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ، وكذلك هنا لا يوجد أيّ تعارض بين أقوال المفسرين ، فنور الله واحد ولكن له تجلّيات عديدية ، فهو يتجلّى في كتابه كما يتجلى في الرسول وفي الإمام الذي يخلفه ، حسبما مرّ في تفسير آية النور (١).
(وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)
إذن فنوره لا يتم بطوع الناس كلّهم ، إنّما في ظروف من التحدي والصراع بين إرادة الحق وأتباع الباطل ، ينتصر فيها حزب الله رغم أعدائه ، ورغم كرههم وسعيهم لإطفاء نوره بشتّى الوسائل والطرق ، فهو ليس محايدا في الصراع بين الحق والباطل ، وإن كانت حكمته تقتضي امتحان المؤمنين وتعريضهم للفتنة بعض الأحيان. ولكنّ السؤال : هل أنّ نوره تعالى كان يشكو النقص حتى يكتمل؟ كلّا .. فلما ذا قال أنّه سيتم نوره؟
والجواب : إنّ للنور كمالين : الأول في ذاته ، الثاني فيما يتصل بانتشاره ، ونور الدين كامل في ذاته ، ولكن إنما يتم كمالا بانتشاره في آفاق المعمورة ، وذلك بإسقاط كل الحجب التي تمنع اتصال الناس بنور الله. ولعلّ من مصاديق إتمام النور أن تلتحم مسيرة العقل المزكّى بالوحي المنزل ، فيتحوّل القرآن إلى برامج ومناهج عملية مفصّلة تحكم الحياة وتسير البشرية على سبيل الهدى والصواب. أفتدري كيف؟ بأن يتكامل عقل الإنسان بزيادة علمه في كافة الحقول حتى يكتشف المزيد من أسرار الدين ويقتنع الجميع بأنّه منزل من عند الله ، فيصبح الدين ضرورة
__________________
(١) هنا لك تجد بيانا للعلاقة بين قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وبين قوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) ...