ولنا في الآية الرابعة وقفة عند معنى «كرّتين» ، فلما ذا قال الله : «ثم ارجع البصر كرّتين»؟ والإجابة :
١ ـ للتأكيد على ضرورة أن يركّز الإنسان في بحثه ودراسته ، فلا يحكم على شيء من نظرة واحدة عابرة ، إنّما يجب أن يدرس أموره مرّات عديدة ثم يقول رأيه ، فقد يكون في مرّته الأولى غفل عن بعض الجوانب والمعطيات ، أو لم يفكر تفكيرا كافيا.
٢ ـ إنّ المعرفة السليمة قد لا تتأتّى إلّا بالمقارنة بين الأشياء ، فينبغي للدارس أن يراجع ببصره وفكره مرتين ، مرة يرجع إلى ما يريد معرفته والتحقيق في شأنه ، وأخرى يرجع إلى ما يشابهه أو يناقضه للمقارنة.
٣ ـ إنّ دراسة الشيء دراسة شاملة تتم بدراسة جانبين فيه : الجانب المادي الظاهر ، والجانب المعنوي الباطن ، ويحتاج الباحث أن يكرّ مرّة ببصره لملاحظة الجانب الأوّل ، وكرّة أخرى يرجع بها إلى الجانب الثاني منه.
٤ ـ لكي يرقى الإنسان في معارفه سلّم التكامل فهو بحاجة إلى إعادة النظر في ما توصّل إليه سابقا بهدف نقده أو تكميله من خلال نظرة تفكّر جديدة ، لا حقة بعد السابقة وهكذا.
[٥] وممّا يؤكّد حاجة الإنسان إلى إعادة النظر في معارفه أنّ هناك جملة من الأفكار والإعتقادات الخاطئة (الأساطير) ينطوي عليها فكره لا تتصحح إلّا بكرّات أخرى جديدة يرجع فيها البصر والبصيرة ، ومن بينها تصوّره المتصل بنظام السماء أنّه فيه ثغرات تنفذ منها الشياطين إلى الملأ الأعلى فتطّلع على أقدار الله ، وزعمه بأنّ النجوم هي مراكز الأقدار وأنّ لكلّ فرد نجما يخصّه إذا مات سقط ، وعلى ذلك