ملائكة أو جنّا لبحثوا لهم عن تبرير آخر ، ولو كان يهمّهم الحق لا تبعوا الرسل الذين جاءوهم بالبينات.
الثاني : أنّ الهدف من بعث الرسل هو تزكية الإنسان وتطهّره من أمور النزعات السلبية التي فيه كالكبر والسموّ به إلى آفاق العبودية والتسليم للقيم والحق ، وهذا يقتضي أن يكون الرسل من البشر أنفسهم حيث أنّ التسليم لهم أبلغ أثرا في امتحان البشر ، وهل قد تخلّصوا من نزعة الكبر ، وتعالوا إلى سماء التواضع لله ، علما بأنّ الصراع على السلطة أعظم من أيّ صراع آخر ، وشهوة الرئاسة أشد من أيّة شهوة أخرى ، وأنّ الرسل جاؤوا ليحكموا بين الناس بالعدل ، وكان الطغاة يحكمونهم بالجور. وترى كيف يتنازل الطغاة عن سلطانهم ويسلموا لأمرهم ولأمر من ينوب عنهم من أوصيائهم وأوليائهم؟! إنّه حقا ابتلاء عظيم للطغاة ومن أيّدهم واتبعهم ، وإنّها لفتنة عمياء سقطت فيها أكثرية النفوس الضعيفة ، ونجد صورة لها في أمر الله إبليس بالسجود لآدم وليس لأعظم ملائكته ممّا أثار رفضه وتمرّده ، ممّا يؤكّد بأنّ ظاهر القرآن الشريعة وباطنه الولاية ، حيث أنّ خضوع الإنسان لبشر مثله باعتباره وليّا عليه من عند الله أمر صعب مستصعب ، وهكذا رفض الكفّار ذلك.
(فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا)
كفروا بالرسول والرسالة ولم يشكروا هاتين النعمتين ، وحيث لا يمكن للإنسان أن يعيش في الفراغ فإنّهم حوّلوا وجهتهم إلى القيم الفاسدة والقيادات المنحرفة (الضلال) ، ولعلّ التولّي هنا بهذا المفهوم ، أي تولّوا إلى غير الله بمعنى ولاية غير الله ، كما جاء في بعض تفاسير الآية الكريمة : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ ـ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ـ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» ، وقد يكون الكفر هو الموقف النفسي والمبدئي ، بينما التولّي هو الموقف العملي السياسي.