(وَاسْتَغْنَى اللهُ)
أي أنّه تعالى كان يريد أن يظهر دينه ورسوله بهم فلمّا كفروا استغنى وأظهر غناه عنهم فنصر دينه بغيرهم من الناس والملائكة ، كما قال سبحانه : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ».
وهكذا يكون معنى الاستغناء فعل ما يظهر الغنى ، وذلك على ضوء معرفتنا بربنا وأنّه لا يصدق عليه ما يصدق علينا من التحوّل والتبدل سبحانه ، فلم يكن لربنا حاجة فيهم ولكن أراد أن يتفضّل عليهم بنصر دينه عبرهم فرفضوا ، حيث أنّ من نعم الله على عباده أن يجعلهم وسائل لنشر دينه ونصر رسله فيطلب منهم الدعوة أو الجهاد أو القرض والإنفاق وما أشبه .. لا لحاجة منه إليهم إنّما ليتلطّف بهم وينعم عليهم بفضله!
(وَاللهُ غَنِيٌ)
بذاته ، واستغناء الله عن أحد يعني قطع حبل رحمته عنه ، وهذا سبب هلاك الأقوام التي كفرت من قبل ، لأنّه إنّما يستقرضهم ويستنفقهم ويدعوهم للإيمان لكي يرحمهم ، ولعلّ تأكيد الله على غناه واستغنائه يأتي لعلاج عقبة نفسية طالما منعت ولا زالت تمنع الكثير من الإيمان بالرسالة والتسليم للرسول ، وهي عقبة الإحساس بالغنى عن الحق من جهة ، وحاجة الله ورسوله إليهم كما قال بعضهم : «إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ» (١) من جهة أخرى.
(حَمِيدٌ)
وقد أضاف تعالى هذه الصفة للغنى لأنّه ليس كلّ غني حميد ، فقد يطغيه
__________________
(١) آل عمران / ١٨١