وهو لا يحتاج حتى يهلك الأحياء بالنفخة الأولى ويبعثهم قياما بالثانية إلى أكثر من مجرد نفخة واحدة ، لما أعطاه الله من القدرة العظيمة. قال العلامة الطباطبائي : وفي توصيف النفخة بالواحدة إشارة إلى مضي الأمر ، ونفوذ القدرة ، فلا وهن فيه حتى يحتاج إلى تكرار النفخة (١).
ويا لها من نفخة صاعقة مخيفة ، لا تذهب بالأنفس وحسب بل تزلزل الكائنات وكأنّها ترليونات الترليونات من القنابل النووية التي تنفجر في دفعة واحدة ، فتدمّر الكون ونظامه ، بحيث تخرج الأرض عن مدارها ، وتستأصل الجبال الراسية من فوقها ، ثم يدكّها الله ببعضها.
(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً)
وأصل الدك هو الهدم ، يقال : دك الجدار إذا هدمه وسوّاه مع الأرض ، ولا ندري هل يضرب الله أجزاء الأرض والجبال ببعضها بتركيز الجاذبية تركيزا هائلا بين أجزائهما ، أو برفعها تماما مما يسبب تلاشيها ، أم يضرب الجبال بالأرض والعكس ، أم يرطمهما معا بكوكب آخر؟ المهمّ أنّهما يتداكّان .. وفي الآية إشارة إلى حقيقة علميّة جيولوجية : إذ لم يقل الله : «وحملت الأرض» فقط ، باعتبار أنّ الجبال جزء منها ، وذلك لأنّها في الواقع كيانات شبه مستقلّة ، جعلها الله فيها ، فنصبها وأرساها أوتادا للأرض (٢) ، فهي كما الشجرة لها هيكلها وجذورها الضاربة في التخوم .. كما نهتدي إلى أنّ الأرض تكون مستوية بالدكّ يوم القيامة ، ولذلك خص القرآن الجبال بالذكر لأنها الزوائد المرتفعة على سطحها.
ويتزامن بعث الناس للحساب مع تلك الأحداث الكونية الرهيبة لكي تتجلى
__________________
(١) الميزان / ج ١٩ ص ٣٩٧.
(٢) راجع الآيات : الغاشية ١٩ ، النازعات ٣٢ ، النبأ ٧