الذين عرفوا الصلاة على حقيقتها فأقاموها في حياتهم .. عرفوا الصلاة بأنّها الاتصال الدائم بلا انقطاع مع الله ، والكون في طاعته كلّ ساعة ولحظة .. عرفوا الصلاة برنامجا متكاملا يتصل بكلّ شؤون الحياة ومفرداتها الخاصة والعامة ، الفردية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والأخلاقية والقضائية و.. و.. ، لا صلاة القشور المحصورة في الركوع والسجود وبعض المظاهر. فما هي الصلاة الحقيقية في مفهوم القرآن؟!
إنّ القرآن لا يفصّل لنا في كيفية الصلاة ولا عدد ركعاتها وسجداتها ، وإنّما يعرفنا الصلاة الربّانية ببيان صفات المصلّين الواقعيين عند الله ، وهي :
الأولى : الدوام على الصلاة.
(الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ)
قال الزمخشري : يواظبون على أدائها ، ولا يخلّون بها ، ولا يشغلون عنها بشيء من الشواغل (١) ، وفي الدر المنثور عن ابن مسعود قال : على مراقبتها ، وعن عقبة بن عامر قال : الذين إذا صلّوا لم يلتفتوا عن يمين ولا شمال (٢) ، وكلّ ذلك صحيح ، إلّا أنّ الآية جاءت لتعطي البعد الأشمل والأصح للصلاة كما يراها الإسلام ويلتزم بها المصلّون الحقيقيّون ، وهي الصلاة الدائمة التي تورث الصلة المستمرة مع ربّ الكائنات في القيام والقعود في آناء الليل وأطراف النهار.
إنّ البعض فهم الصلاة فهما خاطئا على أنّها مجرد عدد من الركعات والأذكار التي يؤدّيها المسلم في وقت مخصوص ، وقطعوها ـ وهي عمود الدين ـ عن الاتصال
__________________
(١) الكشاف / ج ٤ ـ ص ٦١٢.
(٢) الدر المنثور / ص ٢٦٦.