بمفردات الحياة وسلوك المصلّي. أمّا الصلاة التي يريدها الإسلام فإنّها الصلة الدائمة بين العبد وربه ، وما العبادة المتعارفة إلّا رمز ومظهر لذلك الجوهر .. فالمصلي الحقيقي لا يعيش الحياة مجزّأة ، ولا يحدّ الصلاة بوقت معين ، إنّما يعتبرها موصولة بكلّ مفردة في حياته ، وأنّه لو خالف قيمها وأهدافها في واحدة منها فإنّها لا تعدّ في نظره مقبولة ، فلا يغشّ الناس عند المعاملة ، ولا يكذب في كلامه ، ويبخسهم أشياءهم ، ولا يغتاب ، ولا يتهم ، ولا يركن للظالمين ، ولا .. و.. ، لأنّ كلّ ذلك يسلب صلاته روحها ومعناها وثوابها .. فالصلاة لا بد أن تنهى عن كلّ فاحشة فردية أو اجتماعية ، ولا بد أن تقطع المسلم عن كلّ أحد غير الله فيعيش مستقلا حتى تسمّى صلاة.
إنّ الذي يصلّي ثم يحيد عن أهداف الصلاة في سائر يومه وحياته لا يمكن أن يطلق عليه مصلّيا ، لأنّ من شروط المصلي أن يدوم على صلاته بالتزام مضامينها وقيمها وأهدافها والاستقامة عليها طيلة يومه وحياته. وحيث فهم الواعون المخلصون من الرعيل الأول الصلاة منهج حياة فداموا عليها أصبحت إليهم معراجا إلى كلّ فضيلة وكرامة.
ولقد أوّل أئمة الهدى الصلاة في الآية بأنّها النوافل (الصلوات المستحبة) ، قال الإمام الباقر (ع): «هذا في النوافل» (١) وقال القمّي : إذا فرض على نفسه شيئا من النوافل دام عليه (٢) ، وهذه الأخبار تهدينا إلى أمرين : أحدهما : مدى حرصهم على صلاتهم الواجبة ودوامهم عليها ، فإنّ من دام على المستحب كان أدوم على الواجب ، والآخر : درجة التزامهم بالإسلام ومنهجيته في الحياة ، بحيث أنّهم يرفعون المستحبات المندوبة إلى مستوى الواجبات أداء والتزاما ، وهذا بدوره يكشف عن
__________________
(١) البصائر / ج ٤٩ ـ ص ١٢٠.
(٢) تفسير القمي / ج ٢ ـ ص ٣١٦.