الرازي والمجمع والتبيان والميزان والكشّاف : والمحروم الذي يتعفّف عن السؤال فيحسب غنيّا فيحرم (١) ، وهذا يدل على أنّ المؤمنين ينفقون أموالهم على المحتاجين وهم يشعرون بأنّهم هم أهل الحاجة إلى الإنفاق .. فلا ينتظرون السائل يسألهم ، بل يعطوه للسائلين ، ويبحثون بأنفسهم عن المحتاجين لينفقوا عليهم لوجه الله ، ولقد جاء في التاريخ : أنّ الإمام زين العابدين (ع) استشهد وفي كتفه أثر الجراب الذي كان يمرّ به ليلا على بيوت الفقراء والمحتاجين وقد ملأه تمرا وخبزا.
والظاهر من الروايات أنّ الإنفاق الذي تعنيه الآية ليس الواجب المفروض في الشريعة بقدر ما هو الإنفاق المندوب الذي يبادر إليه المصلون أنفسهم قربة لله تعالى ، قال الإمام الصادق (ع): «إنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها (أي أنّه ليس فضلا يمدحون بأدائه) وهي الزكاة ، بها حقنوا دماءهم ، وبها سمّوا مسلمين ، ولكنّ الله عزّ وجلّ فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة ، فقال عزّ وجل : (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) فالحق غير الزكاة ، وهي شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله ، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله ، فيؤدي الذي فرضه على نفسه ، إن شاء في كلّ يوم ، وإن شاء في كلّ جمعة ، وإن شاء في كلّ شهر» (٢) ، وعنه قال ـ عليه السلام ـ : «هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة آلاف ، والأقل والأكثر ، فيصل به رحمه ، ويحتمل به الكلّ عن قومه» (٣) ، وهذا المحمل هو الأقرب لأن الإنفاق المستحب أدلّ على رسوخ الإيمان من الواجب.
وحيث يبادر المصلّون إلى هذا النوع من الإنفاق فإنّهم لا يعتبرون أنفسهم
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٣٠.
(٢) البرهان / ج ٤ ـ ص ٣٨٤.
(٣) المصدر / ص ٣٨٥.