وللآية إيحاء بأنّ ذلك الذي رفض دخول الجنة بالصّد عن طريقها وبابها من أين يدخلها؟ وهل ينتظر أحدا يأتي ليدخله فيها وهو لا يريد؟
(كَلَّا)
إنّه لا يكون فلا يدخل الجنة أحد من غير بابها ، ومن دون أن يسعى إليها سعيها ، وما يحمل جناح التمني والطمع صاحبه إلّا إلى النار والتهلكة. وقال ربنا : «يدخل» مبنيّا للمجهول لبيان أنّ صاحب التمنيات لا يسعى بنفسه ، إنّما يترقّب نجاته من غيره ، وليس يفعل ذلك أحد ، فأمّا الله والأولياء فهم أعداؤه ، وأمّا الأنداد فإنّهم لا يملكون نفعا ولا ضرا.
ثم إنّ الإنسان حينما يتفكّر في الخليقة من حوله ، بل في خلق نفسه ، يصل إلى حقيقة مهمة تنفي له التمنيات والأطماع من أساسها ، وأنّها لا تدخل أحدا إلى جنة النعيم ، لأنّه أينما نظر وتفكّر لن يجد شيئا يدور في الفراغ ، بلا قانون أو سنّة ، ومن ذلك نفسه.
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ)
إشارة إلى خلقة الإنسان المادية (العناصر التي يتكون منها) والمعنوية (الأطوار والقوانين والسنن). وفكرة أخرى تفسّر العلاقة بين نسف القرآن للتمنيات وبين إشارته إلى خلقة الناس وهي أنّ في الإنسان جانبين لا بد أن يتكاملا : الجسد والروح ، وهو لا يملك في تكامل جسمه شيئا كثيرا ، فمن نطفة يصير علقة فمضغة حتى يولد طفلا فيشبّ ويشيخ ثم يموت ، بينما يعتمد تكامل روحه على إرادته وسعيه ، والجنة جزاء إحرازه للتكامل في هذا الجانب ، ولن يدخلها بمجرد الطمع والتمنيات. وبصيرة ثالثة : أنّ الكافرين إنّما تركوا الإيمان والسعي للطمع والتمنّي بسبب